بالنسبة لعدد لا يحصى من الأردنيين يعتبر المركز الصحي الحكومي الأولي نقطة الاتصال الأولى مع النظام الصحي فهو العيادة القريبة التي تلجأ إليها العائلات لعلاج الأمراض الشائعة وتلقي اللقاحات وإدارة الحالات المزمنة والحصول على النصائح الصحية الأساسية.
وتشكل هذه الشبكة من المراكز حجر الزاوية للبنية التحتية الصحية في الأردن، حيث تم تصورها كبوابة سهلة الوصول وميسورة التكلفة نحو الرفاهية الصحية، ومع ذلك، فإن هذا الأساس الحيوي يُظهر علامات إجهاد كبيرة، ويعاني من نقاط ضعف لا تقتصر على إحباط المواطنين فحسب، بل تضع أيضا عبئا لا يُحتمل على مستشفياتنا وأقسام الطوارئ المجهدة بالفعل.
ووفقا لما تعترف به هيئات مثل منظمة الصحة العالمية، ترتبط أنظمة الرعاية الصحية الأولية القوية بتحسين النتائج الصحية، وزيادة الإنصاف، وانخفاض التكاليف الإجمالية للرعاية الصحية، فعندما تعمل مراكز الرعاية الصحية الأولية بفعالية، فإنها تدير الأمراض الشائعة بكفاءة، وتمنع تفاقمها.
كما أن هذه الأنظمة محورية في الكشف المبكر والإدارة المستمرة للأمراض المزمنة مثل السكري وارتفاع ضغط الدم والربو، وهي أمراض منتشرة في الأردن، حيث تشير الدراسات إلى أن نسبة كبيرة من الأردنيين يعانون من مثل هذه الحالات، وتقدر نسبة انتشار مرض السكري بأكثر من 17% بين البالغين.
أكد عضو اللجنة الوطنية لليقظة الدوائية ومستشار العلاج الدوائي السريري للأمراض المعدية الدكتور ضرار بلعاوي «للرأي»، أن الرعاية الصحية الأولية الفعالة تقلل بشكل كبير من الحاجة إلى زيارات غرف الطوارئ المكلفة ودخول المستشفيات بسبب المضاعفات الناجمة عن سوء إدارة الأمراض المزمنة أو المشاكل البسيطة غير المعالجة.
وأضاف أنه من خلال التعامل مع غالبية الاحتياجات الصحية الروتينية، تتيح الرعاية الصحية الأولية للمستشفيات المتخصصة والرعاية الثانوية التركيز على الحالات المعقدة والطوارئ، مما يضمن نظاما صحيا أكثر كفاءة واستجابة بشكل عام.
وفي المقابل، بين مواطنون في حديثهم «للرأي» أن الواقع على الأرض في العديد من مراكز الرعاية الصحية الأولية الحكومية في جميع أنحاء الأردن لا يرقى إلى هذا المستوى المثالي، فهناك افتقار إلى الوصول المستمر إلى رعاية الاختصاصيين أو حتى الدعم التشخيصي الكافي على المستوى الأولي.
وأشاروا إلى أنه في حين أن أطباء الرعاية الصحية الأولية هم عادة أطباء عامون، فإن النظام الفعال يتطلب مسارات إحالة فعالة، وبشكل مثالي، الوصول الدوري إلى التخصصات الأساسية مثل طب الأطفال أو أمراض النساء أو استشارات الطب الباطني داخل بيئة الرعاية الصحية الأولية نفسها، خاصة في المراكز الأكبر أو المناطق المحرومة من الخدمات.
ونوهوا إلى أن المرضى غالبا ما يجدون أنفسهم بحاجة إلى استشارة اختصاصي، لكنهم يواجهون فترات انتظار طويلة للإحالات إلى المستشفيات الحكومية المكتظة، أو يضطرون للجوء إلى القطاع الخاص بتكلفة باهظة، وهذه الفجوة تؤخر التشخيص، وتعيق الإدارة الفعالة للحالات، وتدفعهم في النهاية نحو مرافق الرعاية الثانوية لمشاكل كان من الممكن معالجتها مبكرا، وبكفاءة أكبر على المستوى الأولي.
واعتبروا أن ما يزيد من تفاقم هذا التحدي هو النقص الحاد وغير المنتظم في توفر الأدوية الأساسية، وخاصة لأصحاب الأمراض المزمنة، إذ روى بعض المرضى الذين يعتمدون على الأدوية المنتظمة لحالات مثل ارتفاع ضغط الدم أو السكري أو اضطرابات الغدة الدرقية بشكل متكرر، عن وصولهم إلى صيدلية مركزهم الصحي المحلي ليجدوا أن الإمدادات الحيوية غير متوفرة.
وشدد الدكتور بلعاوي على أن الوصول الموثوق إلى هذه الأدوية ليس رفاهية، بل هو أمر أساسي لإدارة الحالات المزمنة ومنع المضاعفات الشديدة والمكلفة، مثل النوبات القلبية والسكتات الدماغية والفشل الكلوي أو حالات الطوارئ السكرية.
ونوه إلى أنه عندما يفشل نظام الرعاية الأولية في توفير هذه الضرورة الأساسية باستمرار، فإنه يساهم بشكل مباشر في تدهور النتائج الصحية، ويدفع المرضى نحو غرف الطوارئ عندما تحدث المضاعفات حتما، فهناك حاجة ماسة إلى إدارة فعالة لسلسلة التوريد، والتنبؤ الدقيق بالاحتياجات بناء على التركيبة السكانية للمرضى المحليين، والتواصل الشفاف حول النقص.
ولعل واحدة من أكثر القضايا إحباطًا للمواطنين الباحثين عن الرعاية، هي مشكلة عدم التزام الموظفين بساعات العمل الرسمية، حيث وردت عدة شهادات شخصية وتجارب لمرضى إلى «الرأي»، حيث أكدوا أنهم يصلوا إلى مركز الرعاية الصحية الأولية خلال ساعات عمله المعلنة، ليجدوا الطاقم الطبي الرئيس غائبا، أو الخدمات غير متوفرة قبل وقت طويل من نهاية الدوام الرسمي.
ولفت بلعاوي إلى أن هذا الانعدام في الموثوقية يقوض ثقة الجمهور ويجبر الأفراد، لا سيما العاملين أو أولئك الذين يعانون من احتياجات حادة ولكن غير طارئة، على البحث عن بدائل، وفي كثير من الأحيان، يكون البديل الوحيد المتاح بسهولة، خاصة خارج ساعات العمل المعتادة (حتى عندما يجب أن يكون المركز الصحي مفتوحا)، هو قسم الطوارئ في المستشفى.
وهذا الاستخدام غير المبرر لخدمات الطوارئ لتلبية احتياجات الرعاية الأولية وفق بلعاوي، يساهم بشكل كبير في الاكتظاظ وأوقات الانتظار الطويلة، وإرهاق الموظفين الذي نشهده في مستشفيات الأردن الرئيسة، مشيرا إلى أن غياب آليات المساءلة، أو عدم كفاية مستويات التوظيف، أو عدم كفاية الإشراف، هي عوامل مساهمة تتطلب اهتماما عاجلاً من السلطات الصحية.
وركز على أن اكتظاظ الطوارئ بالمرضى، يؤدي إلى تضخم نفقات الرعاية الصحية الوطنية، وتحويل الموارد بعيدا عن استثمارات قد تكون أكثر تأثيرا في الوقاية وتحسينات المستوى الأولي، ووفقا لبيانات منظمة الصحة العالمية، فإن الإنفاق الصحي في الأردن كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي كبير.
وأضاف أن تطبيق مؤشرات أداء واضحة وآليات مساءلة قوية للالتزام بساعات العمل أمر بالغ الأهمية، علاوة على ذلك، فإن استكشاف نماذج لدمج استشارات الاختصاصيين الأساسية، ربما من خلال الاختصاصيين المتناوبين أو الاستفادة من الطب عن بعد، يمكن أن يسد الفجوة الحالية.
وبخصوص تعزيز سلسلة توريد الأدوية لمراكز الرعاية الصحية الأولية، بين أنها أولوية قصوى، حيث يعد تنفيذ أنظمة إدارة المخزون الحديثة، وتحسين التنبؤ بالطلب بناءً على البيانات الوبائية المحلية، ووضع خطط للطوارئ في حالات النقص، خطوات أساسية، كما يمكن للشفافية فيما يتعلق بتوفر الأدوية أن تساعد في إدارة توقعات المرضى وتوجيههم بشكل مناسب.
وبالنسبة للاستثمار في البنية التحتية والمعدات الأساسية على مستوى الرعاية الصحية الأولية، بما في ذلك الأدوات التشخيصية الأساسية، يمكن أن يمكن الأطباء العامين من إدارة مجموعة أوسع من الحالات بفعالية كما ذكر، ناهيك عن أن تحسين بيئة العمل وتوفير فرص التطوير المهني المستمر يمكن أن يحسن معنويات الموظفين ومعدلات الاحتفاظ بهم.
ونوه إلى إن مراكز الرعاية الصحية الأولية في الأردن هي أكثر من مجرد عيادات، فهي حجر الزاوية لمجتمع صحي ونظام صحي فعال، وإن السماح بإضعافها من خلال إهمال التوظيف والإمدادات والمعايير التشغيلية، يضر برفاهية المواطنين وغير مسؤول من الناحية المالية، بسبب الضغط الذي ينتقل إلى المستشفيات.