(المضمون: هناك اشخاص يتطلعون الى كسب المزيد من الاموال، أو نقصان الوزن قليلا، أو تناول طعام صحي أكثر، أو تحسين العلاقات الزوجية أو تعلم هواية. ولكن أنا فقط اتطلع الى التوقف عن أن اكون جزء من قتل شعب آخر، التوقف عن رؤية الموت امامي وأن اختار الحياة - المصدر).
قبل شهر هربنا الى الخارج، أنا وزوجي وأولادي. اخرجت الاولاد من المدرسة واشتريت تذكرة باتجاه واحد، قمنا بحزم اربع حقائب صغيرة بدون حقائب كبيرة. أنا اتحدث بيني وبين نفسي بشكل مطول حول الهجرة حتى قبل الانقلاب النظامي. الافكار الدوارة التي تبدأ بمأزق سياسي محدد جيدا، وتتحرك عبر الألم العقلي والأمل في مستقبل مختلف، في كل مرة تتعثر حول الخوف من نقل حياتي الى مكان هو ليس وطني.
منذ اندلاع الحرب هذه الافكار حاولت ان تتجسد في فعل. قمت باستصدار رخصة عمل اجنبية وفتحت حساب في البنك، وحتى اجريت مقابلات مع عدة اماكن عمل. ولكني لم انجح في القيام بهذه الخطوة. ربما بسبب سنوات الايديولوجيا القومية المتطرفة التي تسري فينا خلافا رغبتنا، ربما بسبب الخوف من الهجرة الذي يوجد لدى كل احفاد المهاجرين، ربما أنا كبيرة جدا أو أنني تعودت على الرفاه، لكني لم انجح. قمت باعداد بنية تحتية ذكية سمحت لي بالوقوف على شفا نقطة الانطلاق مباشرة، لكني لم اتمكن من القفز في المياه.
في المقابل، كلما طالت هذه الحرب فانه كان واضحا لي مثل الشمس بانني لن استطيع مواصلة العيش في اسرائيل. روتين الحرب بكل فظائعها قضم الياف روحي. أنا استيقظ في الصباح واذهب الى النوم مع صور الاطفال الجائعين، الذين يحتضرون أو يموتون. أنا لا أنجح في احتضان اولادي بدون التفكير بالايتام الذين يوجدون وراء الحدود. في المستشفى، في نقاشات شاملة حول الاطفال الذين لديهم امراض صعبة، أقوم باحصاء الموارد التي يتم استثمارها في طفل واحد. في حين أن ثلاثين طفل آخر بالضبط يقتلون قريبا منا. هذه ليست افكار مقلقة لا تتركنا، بل هي صدمة متواصلة تهدد باستهلاكي أنا وعائلتي. قرار الهرب ليس قرار اقتصادي حكيم أو قرار تجاري ذكي، لكن حسب رأيي، ببساطة لم يبق امام أي احتمال آخر.
هكذا وجدنا انفسنا نتجول في كوستريكا، نجلس على شرفة البيت الذي هو ليس لنا، في غابة كبيرة، لا توجد جرافة اسرائيلية قرب المبنى المجاور، لا توجد ازدحامات على شارع ايالون، ولا يتم شتمي في العمل أو في السوبرماركت، وعندما تكون ضجة تخترق الصمت فهي تكون صوت قرد وليس صوت صافرة انذار. بعد بضعة اسابيع تكتشف أن الضجة الحضرية التي لا تطاق في البلاد الغارقة بالدماء لم يتم استبدالها بصمت غريب، لكن نوع مختلف من ضجة الطبيعة. خرير مياه النهر، نقيق الضفدع وزقزقة آلاف الطيور. الامر يحتاج الى بعض الوقت كي نسمع ذلك حقا ونواجه الفرق بين كل ما نعرفه وبين العالم الخالي من الدمار البشري.
من المفروض أن يكون هناك ايضا اشخاص يعملون بجدية ويعانون، بالضبط مثلما هي الحال في أي مكان آخر. ولكن هناك اشياء تتحدث عن نفسها. لا يوجد جيش أو حروب. عجائز يمشين وهن يحملن سكين بحجمي من اجل قطف ثمرة جوز الهند عن الشجرة التي توجد في نهاية الشارع. أنا هي الغريبة التي تعتقد أن هذا هو سلاح خطير. أنا هي الأم التي تعودت على وجود ثلاثة رجال من الحي يقفون على مدخل المدرسة وهم يحملون المسدسات. الحياة النقية، وهو المصطلح الذي يستخدمه السكان المحليون كتحية وكابتسامة اجتماعية وكتوصية باسلوب حياة سليم، هي النموذج. ان تعيش ببساطة. لا يمكنني القول حتى بأننا كنا نطمح الى العيش في هذه البلد، أو أطمح الى أن يعيش فيها آخرون، وبالتأكيد ليس بصورة نقية.
لم اكتشف السر في الهجرة في هذه الاسابيع. أنا ما زلت غريبة في المكان الذي لا أتكلم لغته، ولم اقرر البقاء هنا ايضا، لكني قررت الامر الواضح بحد ذاته، أن ابقى انسانية. أن اعيش.
هناك اشخاص يتطلعون الى كسب المزيد من الاموال، أو نقصان الوزن قليلا، أو تناول طعام صحي أكثر، أو تحسين العلاقات الزوجية أو تعلم هواية. ولكن أنا فقط اتطلع الى التوقف عن أن اكون جزء من قتل شعب آخر، التوقف عن رؤية الموت امامي وأن اختار الحياة.
(هآرتس)
