صحافة عربية وعبرية

مسرحية ترامب

(المضمون: الولايات المتحدة والغرب بعمومه لا يمكنهم أن يسمحوا لانفسهم على مدى الزمن بزعيم يفقد «هذا» ويقترب الى مرحلة «الطفولة الثانية والتنكر التام»، مثلما كتب وليم شكسبير في نهاية المناجاة التي تقتبس من مسرحيته الكئيبة «كما تحبون»–المصدر).
كل العالم مسرح والرجال والنساء ممثلون فيه، كتب وليم شكسبير في مسرحيته «كما تحب». هذه السنة طرق المسرح العالمي من ممثل عجوز واحد، يمثل مرة مهرجا ومرة أخرى شيطانا، واسمه دونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة. عقله الثاقب في مراحل الافول العقلي، ينتج ويعرض على جمهور المشاهدين العالمي اقوالا، أفكارا، اراء، مقاطع لعب واوصاف واقع وهمية، متضاربة، مشوشة، بلا أساس. عديمة الغاية وكأن إدارة القوة العظمى الامريكية هي استعراض لوسائل الاعلام، مسرحية فرد تثير الغثيان والفزع. في ربع السنة الأولى من ولايته الثانية تمكن ترامب من أن يكون مع بوتين، مع زلنسكي، ضد بوتين، ضد زلنسكي وهلمجرا الى أن وصل الى «انجاز» رائع: اتفاق مبدئي مع أوكرانيا بموجبه يمكن للولايات المتحدة في المستقبل ان تشتري بمال كامل مواد خام نادرة مثلما يمكنها دوما. على التقلبات التي تزيغ البصر وغير المفهومة من ترامب في مواضيع سياسية مصيرية أخرى مثل مستقبل قطاع غزة، الموقف من قطر وايران وخطة الجمارك العالمية سبق أن سكبت ما يكفي من الكلمات. فيها جميعها لا يزال ترامب يتذبذب ويناقض نفسه.
في الأسبوع الماضي تدهورت رحلة هذياناته الى درك آخر. امام عيون غربية متفاجئة اعرب ترامب عن تأثره بـ «شجاعة إسلاميين في اقصى اليمن وأعلن بانه يمكن الثقة بوعودهم. في اعقاب هذه الوعود أمر الجيش الأمريكي بوقف من طرف واحد لعمليات القصف على معاقل الحوثية. مشكوك أنه كان في العقود الأخيرة استعراض اكثر فظاظة لضعف القوة العظمى الامريكية. كما نسي ترامب بان الحوثيين هاجموا في الماضي منشآت النفط. في استسلامه للحوثيين القى بالتالي الى سلة المهملات المصالح الأمنية لإسرائيل.
في الأسبوع إياه عقد ترامب مؤتمرا صحفيا آخر من جملة عديدة من المؤتمرات كي يعلن عن «اتفاق التجارة الأكبر في التاريخ بين الولايات المتحدة وبريطانيا». نعم؟ تماما لا. بداية، لا يدور الحديث عن اتفاق بل عن «مذكرة تفاهم» فقط. ثانيا، مدى الاتفاق – المستقبلي كما يذكر ضيق جدا. وهكذا يعيد ترامب الى استخدام السياسة جمارك وسقوف في التجارة بين الدول، سياسة اقتصادية مكنت تصفيتها في التسعينيات من القرن الماضي من انقاذ 500 مليون مواطن من العالم الثالث من الفقر. كل هذا لم يمنع الرئيس ترامب من أن يرفع الى صدارة الاهتمام العالمي مسرحية محرجة أخرى عن إنجازاته الوهمية. الوزراء، المستشارون وموظفو الإدارة الكبار الذين عينهم ساروا أشواطا بعيدة في التملق عديم الخجل لرئيسهم المحبوب الذي بفضل عبقريته وحكمته أتيح «الاتفاق التاريخي». هكذا اصبح ترامب صيغة جديدة لشمس الشعوب. فريد من نوعه في جيله.
وسائل الاعلام العالمية الجدية تمتلىء هذه الأيام بتحليلات معمقة هذه الايام لـ «خطوات ترامب» و «سياسة ترامب». محللون محترمون يوصون به وكأنه سياسي ينصت ويتعلم. أما هو فلا: ترامب الولاية الثانية هو رجل منقطع غارق في عالم هذياناته. اذا واصل هكذا، اذا تأكدت علائم انعدام الثبات، النفي، التشوش وضياع الاتصال بالواقع، فانه كفيل بان يجد نفسه في الطريق الى اعلان عجزه او تنحيته. الولايات المتحدة والغرب بعمومه لا يمكنهم أن يسمحوا لانفسهم على مدى الزمن بزعيم يفقد «هذا» ويقترب الى مرحلة «الطفولة الثانية والتنكر التام»، مثلما كتب وليم شكسبير في نهاية المناجاة التي تقتبس من مسرحيته الكئيبة «كما تحبون».
(يديعوت احرونوت)