في أول تصريح للأمين العام لحزب جبهة العمل الإسلامي عقب تفتيش مقر الحزب وصدور قرار حظر جماعة الإخوان المسلمين المنحلة، أكد أن القرار لا يعني الحزب، مشدداً على أنهم منفصلون عن الجماعة، وهنا تبدأ الإشكالية حول كيفية تعامل الحزب مع قرار الحظر، الذي لم يكن رسمياً فحسب، بل حمل أبعاداً شعبية عميقة، وأصبح قضية رأي عام تفاعل معها الأردنيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد صُدمنا حين رأينا بيننا خلايا تسعى للخراب والفوضى وتهديد الاستقرار الوطني، ضمن مخطط ذي امتدادات إقليمية ودولية. فجاء قرار حظر الجماعة خطوة ضرورية لحماية الأمن الوطني واستقرار المجتمع من الأجندات الخارجية والولاءات التي قد تجر البلاد إلى الفوضى.
إنّ بيان حزب جبهة العمل الإسلامي الذي صدر بعد قرار الحظر كان مرتبكاً، ويعكس أزمة حقيقية في مستوى القيادة والتوجيه. البيان اتسم بالغموض، ولم يكن حازماً أو واضحاً في موقفه، وهو ما يعكس فشلاً في استيعاب أن الدولة قد اتخذت قراراً بالحزم والمحاسبة الجادة.
أما بيان الأهالي، فلا يمكن التعامل معه كمنشور عاطفي، بل كان بياناً رسمياً موقعاً، حمل اتهامات خطيرة وتشكيكاً بالرواية الرسمية، رغم وجود شهادات حية من الإرهابيين أنفسهم. البيان تجاهل اعترافاتهم، والأسوأ أن أحد نواب الحزب قام بمشاركته عبر صفحته على فيسبوك، وهي مشاركة تعني تبنّي الموقف بكل وضوح.
كما صدرت بيانات أخرى من جهات خارجية، أبرزها من حركة حماس، وآخر من ما سُمّي بـ”تيار التغيير»، وكان كلاهما تدخلاً مباشراً في الشأن الأردني الداخلي. كنا ننتظر من الحزب موقفاً وطنياً واضحاً يرفض هذه التدخلات ويؤكد أن المعالجة تتم ضمن الخصوصية الأردنية، لكن الحزب آثر الصمت.
المطلوب الآن ليس فقط إظهار حسن النية، بل اتخاذ مواقف تعكس نوايا صادقة، دون تجزئة أو مجاملة. فالانفصال عن الجماعة، فكرياً وتنظيمياً، لم يعد خياراً سياسياً، بل ضرورة وجودية لا تحتمل التردد أو الالتفاف.
في محور المسار الآمن للجبهة فهذا مسؤولية مشتركة لمؤسسات الدولة والجبهة فالأهم الخروج مما يسمى ثنائية الدولة والاخوان والابتعاد عن جيل حركي اسلامي متطرف لا يوجد لديه رغبة التعايش وتقديم قيادة جديدة راشدة فالمرحلة الحالية لا يجب الاستهانة بها فهي خطيرة تحتاج الحزم والحسم.
يعلم الجميع أنّ هناك داخل الحزب تياراً متشدداً يحمل عقلية إخوانية حادة وقد ظهر بوضوح خلال الأحداث، هذا التيار لا يريد التهدئة ويرفض النصيحة، كما يسعى لتسجيل مكاسب سياسية حتى في لحظات الألم الوطني، وهو لا يميز بين المشاعر الصادقة تجاه غزة، وبين محاولات استثمار تلك المشاعر للضغط على الدولة لدرجة أن هناك من شيطن الجميع بأن الدولة ضد الدين الإسلامي ليستعطف الناس ومشاعرهم وهو يعلم تماماً أن القضية ضد أفكار جماعة متطرفة ولكنها شماعة جديدة للعواطف.
نحن اليوم أمام مرحلة جديدة، وعلى هذا التيار أن يدرك أن الشارع الأردني بات أكثر وعياً، وأن القانون هو المرجعية العليا. ما قبل الحادثة ليس كما بعدها، وإذا كان هناك من يريد التهدئة فعلاً، فإن قطع الخيط السري مع الجماعة هو المدخل الحقيقي والوحيد لذلك. من دون هذا القرار، فلا مجال للنجاة، والمجاملات لم تعد مقبولة في ظل منطقة تغلي بالتوترات والتقاطعات الإقليمية.
وفي الختام، لا بد من طيّ صفحة الشعارات المستهلكة عن «الدولة والإخوان»، ووقف التغني بدور الجماعة في بناء الدولة. لقد حان الوقت لحماية الدولة الديمقراطية بتوافق وطني شامل، وربط العمل الحزبي بالهوية الوطنية الأردنية، لا بالتنظيمات العابرة للحدود. كما نؤكد على ضرورة الضرب بيد من حديد إذا ثبت تورط أي لجان أو قيادات من الحزب في الأحداث الأخيرة، مع الاعتماد على وعي المواطن الأردني، دون الانجرار خلف منابر التضليل. نحن نحارب تنظيماً غير قانوني، ولسنا في صراع مع الدين، كما يحاول البعض تصوير الأمر بأساليب مغرضة، فالإسلام العظيم أسمى من أن يُختزل في شعارات سياسية.