خبراء يطالبون بحوار وطني وبدائل تحفظ حقوق الدائنين
البطوش: من الضروري إجراء دراسات تقييم مسبقة لمبررات التعديل ورفع الحماية الجزائية
في خطوة تشريعية أثارت الكثير من النقاش المجتمعي، بدأ العدّ التنازلي لما يسميه مهتمون «نهاية الحماية الجزائية للشيكات في الأردن»، وعدم سريان أحكام المادة (421) من قانون العقوبات ضمن القانون المعدل رقم (10) لسنة 2022 إذ من المقرر أن يُرفع الغطاء الجزائي عن الشيكات نهائياً ابتداءً من 25 حزيران 2025.
وهو ما يفتح الباب واسعاً أمام تغيرات جذرية في بنية التعاملات التجارية، ويثير تساؤلات ملحّة حيال مستقبل الثقة بالشيك كأداة دفع، في ظل غياب الرادع الجزائي «حبس المدين».
ويشرح قانونيون لـ«$» أبعاد هذا التعديل من النواحي القانونية والاقتصادية والاجتماعية، وآثاره المحتملة على البيئة التجارية والمالية في المملكة.
نهاية الحماية الجزائية
المادة (421) المعدّلة نصّت على أن أحكام الشيكات لا تسري بعد مرور ثلاث سنوات من نفاذ القانون، ما يعني عملياً أن الشيك، كأداة كانت مشمولة بالعقوبات الجزائية، ستفقد هذه الصفة نهائياً بعد حزيران المقبل، ويُعامل كأداة مدنية بحتة لا يترتب على سحبها بدون رصيد حبس أو توقيف، باستثناء الحالات الخاصة مثل قضايا الإيجار والعمل.
وكانت المادة قبل التعديل تعاقب بالحبس والغرامة كل من أصدر شيكاً بدون رصيد، أو سحب رصيده بعد الإصدار، أو أمر بعدم الصرف، أو ظهّره وهو يعلم بعدم قابليته للصرف.
لكن التعديل يحوّل كل هذه الحالات إلى نزاعات مدنية، تُعالج عبر المطالبة بالحق المالي فقط، وفرض غرامة نسبية (5% من قيمة الشيك) عند السداد أو التنازل.
يقول رئيس اللجنة القانونية النيابية الدكتور مصطفى العماوي إن الشيكات «كانت وسيلة دفع محمية جزائيا، ما يعني أنه في حال عدم وجود رصيد كافٍ، يمكن لحامل الشيك تقديمه للجهات القضائية ومقاضاة الساحب، لذلك، قبل رفع الحماية القانونية كان الساحب ملزما بالوفاء بقيمة الشيك، وإلا تعرض لعقوبات جزائية قد تؤثر على سمعته التجارية».
ويتابع: «بعد رفع الحماية الجزائية ألغيت العقوبات المتعلقة بعدم سداد الشيكات، ما يعني أن الساحب لن يتعرض لملاحقات قانونية جزائية في حال عدم وجود رصيد كافٍ».
ووفقا للدكتور المحامي محمد أبوهزيم فإن هناك توجهاً عاماً في العالم يتجنب حبس المدين بأي شكل، مهما بلغت قيمة الشيك، خمسة آلاف أو مئات الألاف، «فالدين المدني لن يكون فيه حبس نهائياً».
ويؤكد أنه «حسب خبرتي الطويلة في المحاماة إذا لم يكن الحبس قائماً كرادع وعقاب، لن يلتزم صاحب الشيك بالدفع».
وفي ذات السياق يقول النائب الدكتور غازي الذنيبات إنه الآن لا اجتهاد في موضع النص ولايوجد ما يضاف عليه، فالقانون صادر قبل ثلاث سنوات وسينفذ في ٢٦ حزيران وستلغى العقوبات الجزائية عن الشيكات ولن تعود مجرَّمة جزائيا كالسابق.
وحسب اعتقاده، لا يجد الذنيبات أي فائدة من سجن المدين «الذي لا يمتلك النقود في الأصل».
ويرى أن وضع الشيك بدون رصيد تحت بند الاحتيال هو أمر غير منطقي؛ فـ 9% من الأشخاص الذين قبلوا الشيكات لديهم علم مسبق أنها بدون رصيد لكنها أخذت من المدين كوسيلة أمان وضغط.
فالدائن يعول بأن تحصل الدولة حقه عن طريق سجن المدين اذا لم يلتزم بالسداد وهو أمر مكلف ويزيد العبء عليها وبخاصة مع كثرة قضايا الشيكات بدون رصيد.
ويعتقد الذنيبات أن على كل دائن تحمل المسؤولية وأن يتأكد من الشخص الذي يعطيه الدين ويميز مَن الشخص الذي يمكنه الوثوق به وإقراضه.
من جهته، يؤكد النائب الأول لرئيس غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي موقف ممثلي القطاع التجاري الذي لا يهدف إلى تقييد حرية الناس وهو ليس مطلباً.
ويشدد الرفاعي على ضرورة إيجاد أدوات قانونية قضائية تنفيذية فاعلة تلزم المدين بالدفع ضمن معادلات معينة لضمان حق الدائن لدى المدين.
ويحذر الرفاعي من أنه إذا لم تتواجد هذه الأدوات؛ فسينعكس ذلك سلبا على الحالة الاقتصادية التي تعاني في الأصل نتيجة الظروف الجيوسياسية في العالم وما يحدث في فلسطين ودول الجوار..
فبالتالي «لابد من وجود موازنة بين ضمان حق الدائن لتحصيل أمواله وضمان المحافظة على التوازن في العملية الاقتصادية والتبادل التجاري المبني على الأوراق المالية» مثل الشيكات والكمبيالات.
هل اتبعت الحكومة منهجية الأثر التشريعي؟
يقول المحامي والمستشار القانوني بشار البطوش إنه كان من الضروري إجراء دراسات تقييم أثر مسبقة حول مبررات التعديل ورفع الحماية الجزائية للتحقق من إيجابيات وسلبيات الموضوع بما يساهم باتخاذ القرار المناسب بحيث تكون هذه الدراسات محايدة وغير منحازة لجهة على حساب الأخرى.
ويلفت إلى أن الأسباب الموجبة التي قدمتها الحكومة كانت مجرد عبارات غير مدعمة بأرقام أو تحليل كلفٍ للإبقاء على الحماية من عدمها.
وينبه البطوش كذلك إلى أهمية مراعاة المتأثرين سلبا وإيجاباً من ذلك بما فيه الخزينة والقطاعات التجارية، وغيرهم، وهذا يُعرف بـ'منهجية الأثر التشريعي».
آثار اقتصادية
ويعتقد رئيس اللجنة القانونية النيابية الدكتور مصطفى العماوي أن إلغاء الحبس في قضايا الشيكات من شأنه تخفيف الضغط على المدينين، ما قد يساهم من وجهة نظره في تحفيز استخدام الشيكات بدون الخوف من العقوبات الجزائية، إذ أن الاجراءات القانونية السابقة في حال عدم سداد الشيك كانت صارمة، ما وضع ضغوطاً على المدينين.
لكن في المقابل، يرى العماوي وعدد من أساتذة القانون، أن هذا التعديل قد يؤدي إلى تراجع كبير في الثقة بالشيكات كأداة وفاء، وبخاصة بين التجار الذين يعتمدون على الشيكات المؤجلة كضمان للصفقات التجارية والبيع الآجل ومعززة للثقة بينهم. وهو ما قد يؤثر سلبا على التعاملات التجارية.
وينبه المحامي الدكتور جمال الحموي إلى أن الشيك حسب التعديل الجديد «فقدَ ميزته الجوهرية» مقارنة ببقية الأوراق التجارية، لكونه لم يعد يترتب عليه أي عقوبة جزائية «الحبس»، بل بات مجرد ورقة تجارية مالية عادية أو كالكمبيالة، ما قد يؤدي إلى إحجام البنوك والتجار عن التعامل به وعدم التوافق بين الدائن والمدين.
من جهته يرى الذنبيات بأنه لن يكون لإلغاء العقوبة الجزائية أي أثر على عجلة الاقتصاد؛ فسابقا كان هناك «اقتصاد وهمي كاذب قائم على الشيكات بدون رصيد» والآن سيعود الاقتصاد إلى حقيقته ولن يكون على سابق عهده ديون دفترية وشيكات.
ويعتقد أنه سيتم التعامل بين الناس بواقعية أكبر وسيكون لدى الدائن تصور أوضح لمن يعطي الدين، لذلك «اقتصاديا هو أجدى» لأنه في السابق معظم الشيكات مرتجعة.
تأثيرات على السوق والمجتمع
ويخشى الحموي من أن منع الحبس في قضايا الدين المدني، حتى في حال بلغت قيمة الشيك مئات الآلاف، سيهدد العديد من المؤسسات التجارية الصغيرة والمتوسطة بالإفلاس، وبخاصة مع انتشار البيع الآجل والتقسيط.
ويقول: «عدم وجود الحبس كرادع قانوني سيؤدي إلى تقاعس الكثيرين عن السداد، ما يشكل خطراً حقيقياً على التوازن المالي في السوق ويوجِد خللاً في المنظومة الاقتصادية ».
أما على المستوى المجتمعي، فيخشى الحموي أن يؤدي هذا التغيير إلى نشوء مظاهر غير قانونية لتحصيل الحقوق، «مثل الابتزاز أو التهديد والأتاوات»، في ظل غياب أدوات قانونية فعالة وسريعة لضمان الدفع.
وهو ما يلقي بآثاره على جميع القطاعات والمهن، بما فيها المحاماة ومردود المحاكم والضرائب بسبب عدم قدرة المحامين على استيفاء الشيكات، فالضمانة في مطالبة الدائن كانت الحبس الذي كان يفاوض عليه المحامي.
ويحذر الحموي وأبو هزيم من اختفاء «ماتبقى من فئة متوسطي الدخل» في المجتمع والقضاء على صغار التجار وإفلاس العديد من المؤسسات وأصحاب الأعمال لعدم قدرتهم على الدفع النقدي «الكاش» والإيفاء بالتزاماتهم من تكاليف تشغيلية وأجور وغيرها.
بدائل ما بعد الشيك
مع فقدان الشيك لحمايته الجزائية، يرى مختصون أن على الدولة ومؤسساتها التفكير في توفير بدائل تشريعية وتقنية، مثل تعزيز دور الوساطة والتحكيم، وتفعيل أدوات الدفع الإلكتروني الآمن، وربما إدخال نظام الضمانات البنكية أو التأمين التجاري لحماية حقوق الدائنين.
في المحصلة، فإن التعديل يعكس توجهاً أوسع نحو منع حبس المدين في الأردن، لكنه في المقابل يهدد استقرار السوق. كما ستتراجع الثقة بين التجار ما لم توجد ضمانات بديلة فاعلة.
لذلك؛ يوصي الخبراء بأن تطلق الحكومة حواراً وطنياً اقتصادياً قانونياً لمراجعة التعديلات ووضع حلول عملية تحمي التوازن بين حماية الدائن وعدم التضييق على المدين.