في قلب عمان القديمة وفي أحد أزقتها، يتوارى مكان استثنائي بعيدًا عن الضجيج، لكنه ينبض بالحياة بطريقة مختلفة، إنه مركز الأمير علي للصم، حيث شهد مناسبةً لافتة جمعت ما بين الأدب والإحساس الإنساني العميق، تخللها عرض قصة «سندان» للكاتبة أمل صالح، التي تناولت معاناة فئة الصم بأسلوب حكائي إنساني يمس الوجدان.
القصّة التي أشهرت في 15 نيسان لهذا العام، سلطت الضوء على التحديات التي يواجهها الصم في مختلف مناحي الحياة، من التعليم والعمل إلى التقبل المجتمعي والتواصل الأسري، وركزت بشكل خاص على المشاعر المعقدة والمؤلمة التي يعيشها الأهل عند اكتشاف فقدان السمع لدى أطفالهم.
وقد تم عرض القصة بطريقة مبتكرة جمعت بين السرد الصوتي بصوتٍ دافئٍ لرولا النجمي،وترجمة لغة الإشارة التي قدمها أسامة الطهراوي بأسلوب بصري لافت وجذاب، إضافة إلى رسومات الفنانة التشكيلية ورسامة قصص الأطفال أماني البابا، ما أضفى على التجربة بعداَ تفاعليا مؤثرا لكل الحضور. استُهل العرض بفيديو مؤثر جذب انتباه الحضور من الأطفال وذويهم، الذين يعانون من فقدان السمع أو يعيشون مع من يعاني منه.
أثناء عرض القصة على الشاشة ظلت عيون الحضور مشدوهة ومشدودة إلى الشاشة، تتبع حركات لغة الإشارة التي تروي مشاعرهم وقصصهم، في مشهد نادر. لأول مرة يشاهد هؤلاء الأطفال لغة أدبية مكتوبة، وتعبر ببساطة عن معاناتهم، وسلط هذا الحدث الضوء على هذه الفئة التي تعاني من الحصول على المصادر المعرفية والأدبية التي يحتاجونها، قصة سندان مترجمة بلغة الإشارة، تتحدث عنهم وعن تحدياتهم، وتبني جسرا من التفاهم بين الفئات المختلفة وتعزز أهمية الدمج المجتمعي..
وفي لمسة إبداعية حملت بعداَ انسانياَ وزعت الكاتبة ميداليات كذكرى رافقت هذا الحدث، والتي تحمل رمز «كيو آر» رمز استجابة سريعة خاص بالقصة بمجرد مسح الكود تفتح قصة «سندان» كاملة على موقع يوتيوب.
وقد شكلت هذه اللفتة الجميلة، ولحظة مسح الرمز مشاعر امتنان وحب ارتسمت في العيون بمجرد انتقالهم الى الصور التي تروي قصة سندان الفتاة الصماء التي تشبههم، بوضعها لسماعة الأذن وبصوت يحمل صوتهم.
واشاد الحضور بهذه الفكرة المبتكرة التي أضافت بعداَ جديدا للتفاعل، من خلال نقلهم إلى عالم يفوق الصوت ويحمل رسالة أقوى من الكلمات التي من الممكن أن تقال، وقد عبروا عن امتنانهم العميق للكاتبة أمل صالح والتي أوصلت رسالتها وحرصها على مشاركتهم هذه التجربة الصادقة، تجربتهم مع سندان، فهي لم تكن قصة تروى فقط، بل قصة تعايشوا معها من اللحظات الأولى لاكتشافهم أنهم مختلفون بفقدان السمع، أو فقدان من يحبونهم للغة التواصل المشتركة.
سندان» قصة فتاة صماء ابتكرتها أمل صالح لتوصل صوت الطفلة سندان وحكايتها مع فقدان السمع من بداية اكتشاف والدتها بأنها صماء، لمرحلة التحاقها بالجامعة، في ظل غياب التواصل الحقيقي مع المجتمع، والافتقار إلى تجربة الدمج بين فئات التحديات والمجتمع في المدارس والجامعات. تعتبر قصة سندان بمثابة دق الجرس للتركيز أكثر على فئة التحديات السمعية، إذ تخاطب سندان المجتمع بقولها » أحب أن أتواصل معكم، تعلموا لغتي، لغة الإشارة».
تحدث الأهالي عن التأثر البالغ الذي تركته فيهم قصة سندان، حيث عبرت بعض الأمهات وخاصة الأمهات اللواتي يعشن تحديات يومية مع أبنائن من ذوي التحديات السمعية عن تأثرهن العميق بالقصة التي قدمتها الكاتبة أمل، مؤكدات أن القصة نجحت في إيصال مشاعرهن ومعاناتهن، وأن العمل نجح في إيصال مشاعرهن البالغة الألم احيانا.
امتلأت القاعة بفيض من مشاعر الأمهات، وكانت ردود أفعالهن مليئة بالشكر والامتنان، للكاتبة أمل صالح التي استطاعت ببساطة التعبير أن تغمرهن بالحب، وتخفف من وجعهن، بلغة تلامس قلوبهن وتمنحهن شعورا بالاحتواء والتقدير لجهودهن في رحلة غالبا ما تكون مليئة بتحدي الصعوبات. وفي حديث لإحدى الأمهات اللواتي عشن تجربة غير سهلة مع أطفالهن من الصم، وصفت الفيديو القصير الذي لم يتجاوز العشر دقائق، بأنه أوقف الزمن للحظات، وتمكن من تلخيص معاناة امتدت مدة عشرين عامًا عاشتها مع أطفالها الثلاثة الذين يعانون من فقدان السمع.
انتهى العرض بتصفيق مختلف، لم يكن صوتًا، بل كان إشارة وطريقة الصم برفرفة الأيدي فوق الرؤوس، في تعبير عن بالغ امتنانهم.
من مركز الأمير علي للصم ارتفع صوت سندان » ليقول نحن لغة أخرى، آن للعالم أن ينصت لنا!».