«قضية متشعبة يصعب الكتابة حولها بسطور قليلة وتستوجب الإجابة دراسة الحالة كل على حدة» تُعد عملية الزواج، علاقة مُجتمعية بيّن شخصين (رجل و إمرأة)، تقوم على الإشباع الجنسي والعاطفي والاقتصادي والاجتماعي، كما وينتج عن هذه العلاقة، مؤسسة بنيوية هي «الأسرة»، قد تتكون من الرجل والمرأة فقط، أو ربما الرجل ومجموعة من النسوة-في حال التعدد، كما يقره المجتمع الأردني، قانونا وعرفًا، ويشرعه من خلال طقوس لا بد منها، يعاب على المرء التقصير فيها، تستند على الخلفية الدينية والعرفية في المجتمع، من إشهار وتوافق الزوجين وإلى ما?هنالك.
على ذالك، فإن للعلاقة الزوجية، متطلبات نفسية واجتماعية واقتصادية، يجب أن تؤدى من قبل الزوجين فيما بينهما، ومن قبلهما اتجاه الأبناء والعكس، في الحد الأدنى من المفهوم الاجتماعي لمؤسسة الأسرة البنائية في المجتمع، فوفق النظرية الوظيفية التي نعتنقها في تحليلنا السوسيولوجي-الاجتماعي العلمي، على الأسرة تأدية مجموعة من الوظائف والأدوار، اتجاه أعضائها واتجاه المجتمع الذي تعيش فيه وتتفاعل معه.
فيما يتعلق بذوي الإعاقة، وهم أولئك الناس ممن يعانون قصورًا وظيفيًا عضويًا، بمعنى أنهم يعانون من عوق عضوي معين، يعوقوهم عن تأدية الوظائف والأدوار المتوقعة منهم مجتمعيا، وفق النسق الثقافي للمجتمع، والتي تحكم الأدوار التي يقومون فيها، إزاء المجتمع الذي يعيشون ومؤسساته البنائية، والتي منها الأسرة-موضوع هذه السطور، رغم التقنيات والوسائل التي أتاحها المجتمع استجابة لحاجات أبنائه للتكيف والاندماج فيه، سواء تلك التي تعتمد على التحدث عبر وسيط مع الأخرين-مثل الذكاء الاصطناعي مثلا، أو المطاعم التي وفرت الطعام للناس ب?ون عناء، أو مشاريع التربية المنزلية الأهلية للأطفال، إلا أن الزواج بالنسبة لذوي الإعاقة، يبقى محفوفًا بالمخاطر والملحوظات، التي يجب التوقف عندها قبل اتخاذ قرار الارتباط-الزواج، بين شخصين إحداهما أو كلاهما من ذوي الإعاقة.
ولا بد من الإشارة، إلى تعدد تصنيفات الأشخاص ذوي الإعاقة، فهنالك المتوسطة والشديدة والخفيفة، والبصرية والسمعية والحركية والعقلية وطيف التوحد و..الخ، ولكل من هذه خصوصية تحكم الأخصائي الاجتماعي، عندما ينصح من يلجأ له لطلب المشورة، في مسألة الزواج من عدمه، قبل الإقدام عليه، حيث أن لكل حالة طريقة معالجة ورؤية مختلفة عن الأخرى، ولا نستطيع الالمام هنا في هذه السطور القليلة، بإجابة وافية وشافية للجميع، بيد أننا من الممكن ان نتحدث بإجابة عامة تحمل رؤية عامة للأمر، تؤكد الموقف من الزواج بين أوساط الأشخاص ذوي الإعاقة?
'الموقف الديني..الإسلام وضع قيودًا على الزواج من شأنها حفظ مقاصد الزواج الشرعية'
تقول دائرة الإفتاء العامة الأردنية، أنه وبالاستناد لقانون الأحوال الشخصية، والذي منح الزوجة حق طلب التفريق، في حال جُنَّ زوجها بعد عقد الزواج، كما ومنح ذالك لها، في حال أصيب بالأمراض والعلل، فإنها ترى-أي الدائرة، بمنح القاضي الشرعي صلاحية البت في أمر زواج، من أصيب بعاهة أو مرض منفر، أو ينتقل إلى غيره، أو يورث إلى نسله، ما يفوت المصلحة من الزواج، على أن يعتمد القاضي هنا، على تقرير طبي، يؤكد أن لا شفاء من هذه العاهة، أو العلة، ومن شأن الزواج ينقل هذه العاهة إلى الأخرين، بما يسبب الضرر والحرج لأي من الزوجين أ? كلاهما-انظر الفتوى رقم 22، تحت عنوان 'زواج ذوي الاحتياجات الخاصة، والمنشور على موقع الدائرة، في 17-3-2014م.
ولم تفصل الفتوى الشرعية، في ماهية المرض المنفر، إلا أن المادة 131، من ذات القانون-والذي عدل العام 2019م، حددت الأمراض التي بموجبها يحق للمرأة طلب التفريق، بتلك الأمراض الجنسية-مثل الايدز والسل والزهري، أو أمراض مثل الجذام والبرص، واستثنت المادة ذاتها من أصيب بالعمى-فقدان البصر والعرج.
ومن أجل عدم الخروج عن مجال الاختصاص الذي نحلل فيه الإجابة، ومع تقديرنا الأكيد لإخوتنا ممن هم أهل بالإجابة العلمية الدقيقة في من يسأل عن الموقف الديني الإسلامي، فإننا نستند على مبدأ 'الضرر يوقف'، والذي ورد في نص الفتوى المشار اليها، فإننا سنبني تحليلنا للمسألة ونجيب عن تساؤل الزواج بالنسبة لذوي الإعاقة، من منظور سوسيولوجي، وهو اختصاص كاتب هذه السطور أصلاً.
'محاذير الزواج..ولكن لا بأس في حال حيدت وتم التيقن في معالجتها'
رغم سماح القانون الأردني، بزواج الكفيف-الأعمى كما ورد في النص القانوني أعلاه، وعدم الإشارة إلى ذوي الإعاقة الحركية والصم ومرضى التوحد، وجميع هؤلاء مؤهلين للزواج، إن تيسرت لهم التقنيات والوسائل الاجتماعية، أو وصل إلى مرحلة إدراكية يكون قادرًا فيها على العيش مع الأخرين، دون الخشية من سلوكه العنيف فيما يتعلق بالتوحد القابل للتعلم حصرًا، حيث لا يكون هنالك ضرر حتى يوقف، وهنالك شواهد حول علاقات زواجية ناجحة من هذه الفئات، فإننا نضع أمام القارئ محاذير عامة، يجب التفكير فيها والاستعداد لها، قبل اتخاذ الخطوة.
أولاً، وفي حال وجدت الإعاقة ومن مثلها 'التليف الكيسي'، لا يجب تشجيع الزواج من الأقارب، حيث قال الرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم- بتغريب النكاح، حيث أن الكثير من حالات الإعاقة تنتج نتيجة العنصر الوراثي، والذي يقل عندما يكون الزواج ما بين الأبعاد، ويكثر في حال زواج الأقارب.
ثانيا، على الزوجين مسؤولية تربية الأبناء، من رعاية واهتمام، وتأمين مستلزمات العيش من مطعم ومشرب وحماية من الخطر، وحسن التعامل مع المخاطر المتواجدة في كل منزل من نار المدفأة مثلاً، والكهرباء، وغاز الطهي، وهنالك بدائل عنها مثل الخادمة، أو العونه داخل الأسرة الممتدة، أو الاعتماد على الطعام الجاهز والشراب المعد خارج المنزل-بما يلغي الحاجة لغاز الطهي، ووضع الأسلاك ووسائل الكهرباء من آباريز وخلافه في أماكن آمنة تراعي قدرات الزوجين في التعامل معها، وتوفر حماية للطفل منها من قبلهم.
ثالثًا، على العلاقة الزواجية، أن تحمل أدوارًا مكملة، حيث على الزوجين أن يكمل أحداهما الأخر، على الأقل حتى تواجد من يمكنهما من هذا التكميل، فمثلاً هل يكمل الكفيف دور نظيره الكفيف/ضعيف البصر أيضًا، حتى يحين وقت يكون هناك مساعد لهما-عندما يكبر الابن أو الابنة في حال وجد الولد، أي أنهما قادران ووفق التقنيات والوسائل الاجتماعية، على تأدية المهام والوظائف المتوقعة من الزوجين، أو الحد الأدنى الذي لا بد منه في الحياة الأسرية فيما بينهما أو مع طفليهما، هذا تساؤل مهم، حيث ربما يتزوج ضعيف البصر من كفيف مثلا ويتمكنان ?ن العيش وفق الحد المعقول من الحياة الأسرية، وفي مرحلة معينة يصاب ضعيف البصر بالفقدان التام، وحينها يكون الابن قد بلغ سنًا من الممكن أن يسند والديه المكفوفين، ولا توجد هنا مشكلة من زواج ضعيف البصر بالكفيف إذ لا يوجد ضرر يجب وقفه.
رابعًا، للزواج غاية مهمة، وهي الاشباع الاقتصادي، وهذه النقطة سواء أكان الزوجين من ذوي الإعاقة أو غير ذوي الإعاقة، من المهم التفكر فيها، ويا للأسف فأن معظم الزيجات في الأردن، تفتقر لقدرة الزوج على الاشباع الاقتصادي، حتى مع عمل المرأة، بما يخالف التوقع مجتمعيا من الزوجين في النسق الثقافي السائد، بدلالة أن معظم تلك الزيجات تتورط بوحل الدين من أجل السكن، وأن سقف الأجرة للمنازل في الأردن، لا يلائم الكثير من مستويات الدخل في المملكة، فمن يعمل بالحد الأدنى للأجور مثلاً، وهو الآن 290 دينار، غير مؤهل للزواج، حيث أن?مبلغ 290 لا يحقق الاشباع الاقتصادي بالحد الأدنى المعقول، وفي مشاهداتنا وملاحظاتنا للحالة المعاشية السائدة.
خامسًا، وبصورة عامة، يجب أن يبنى القرار على بينه واضحة، بمعنى، أن تكون الإعاقة ودرجتها، والمعلوم من مستقبلها وفق رأي طبي واضح، واضحة قبل اتخاذ القرار بالارتباط والزواج، حتى يكون الزوجين قادرين على وضع خطة للتعامل مع النقاط السابقة، وكي لا يتفاجأ أحداهما، ويخرج عن هذا الرأي كل تحول غير معلوم بالحالة الصحية، مما يعتبر أمرًا مقضيًا، لا يمكن لأي من الزوجين التكهن به، مثلا الإصابة بإعاقة ثانية نتيجة حادثة معينة بعد الزواج، هذا لا يمكن التنبؤ به، بينما ضعف البصر، من الطبيعي أن نقول أنه وبعد سنوات معينة سيعاني ال?قدان التام للبصر، لا سيما إذ هنالك تاريخ مرضي في العائلة مثل مرض السكري والضغط، والذي من تبعاتهما إلحاق ضرر بالعين، على سبيل التمثيل لا الحصر.
سادسًا، تحديد الدستور الذي سيحكم العلاقة، أي وضع ما يشبه القانون الأساسي للأسرة، والذي يحدد الواجبات والمسؤوليات والمحرمات-الممنوعات، فالأسرة مؤسسة، مثلها مثل التعليم والعمل، ولها نسقها الثقافي، ولها واجبات ومسؤوليات وما هو مسموح، وما هو ممنوع.
أخيرًا، إن الإجابة والتفكر بهذه النقاط العامة، من قبل المقبلين على الزواج، من شأنها تحديد مصير القرار بالزواج، كما وينصح دائمًا، باستشارة المتخصصين في مجال الأسرة، فكل حالة لها وصفتها وحكمها، مثلها مثل المرض عندما نذهب للطبيب، أو القضية عندما نذهب للمحامي في المجتمع، ومن المحكمة درء المصائب باللجوء لأهل الرأي والمشورة كل في مجال اختصاصه وعلمه.