في صباح يوم مشمس في إحد بساتين الزيتون الرومي في الطفيلة؛ وقف الأربعيني محمود المزايدة وسط بستانه المتخم بشجر الزيتون الرومي، يتأمل أشجاره التي ورثها عن والده، ووالده عن جده، في سلسلة تمتد لعقود.
في هذا البستان تنتشر الأشجار المعروفة بثمارها الصغيرة الكثيفة في محيط زراعي لا يقل عن 200 شجرة، ليكون شكلا من قلب هوية المحافظة الزراعية والإنتاجية.
ينتج البستان ما لا يقل عن 2 طن من الزيت سنويًا، لكنه يرى في كل قطرة إمكانية أكبر، وعلامة تجارية يمكن أن تحمل اسم الطفيلة إلى العالم، بيد أن الطريق إلى هذا الحلم محفوف بالتحديات، تبدأ من نقص البنية التحتية إلى ضعف التسويق، ووسط واقع يباع فيه زيته ببراميل بلاستيكية لتجار محليين بأسعار لا تعكس جودته.
يتميز الزيتون الرومي وفق دراسات جامعة مؤتة، بحموضة منخفضة، تقل عن 0.8%، مما يصنف كزيت بكر ممتاز حسب معايير المجلس الدولي للزيتون، ويحمل نكهة قوية مع لمحة مرارة خفيفة.
في إحدى معاصر الزيتون في الطفيلة؛ يراقب محمد المسيعديين، الذي يعمل على خط «العصر» منذ حوالي 10 أعوام، تدفق الزيت الأخضر الذهبي، حيث يقول إنه وفي كل عام؛ يستطيع تمييز زيت الرومي من لونه الغامق ورائحته النفاذة، حيث أنه زيت نقي، لا يحتاج إلى تصفية إضافية، و يتميز بحبات صغيرة لكنها غنية بالزيت، حيث تصل نسبة الاستخلاص إلى حوالي 28% مقارنة بـ15% لبعض الأصناف الأخرى.
وأوضح المهندس هود الهواملة، رئيس قسم الإرشاد الزراعي في الطفيلة أن المديرية نقدم دورات لتعليم المزارعين كيفية الحصاد والعصر للحفاظ على الحموضة المنخفضة، لكن التسويق يظل العقبة الأكبر بالنسبة إليهم.
ويؤكد الهواملة أن زيت الطفيلة يتميز بجودة استثنائية تنبع من طبيعة تربة المحافظة الجبلية الغنية بالمعادن، التي تمنح أشجار الزيتون الرومي قدرة على إنتاج ثمار صغيرة كثيفة الزيت.
وفي غرفة تجارة الطفيلة، يشارك رئيسها عودة الله القطيطات رؤية طموحة، حيث يؤكد على أن زيت الطفيلة يمكن أن ينافس العلامات الإسبانية والإيطالية، التي تسيطر على 60% من السوق العالمي وفق التقارير العالمية الدولية للزيتون التي نطلع عليها بين حين وآخر، مشيرا إلى أن تكلفة مصنع تعبئة متوسط قد تصل إلى 500 ألف دينار، لكنه يؤمن أن الشراكات مع القطاع الخاص، إلى جانب برامج التمويل الميسر من الجهات التمويلية يمكن أن تحول هذا الحلم إلى واقع.
محمود؛ على الرغم من التحديات، لا يستسلم، فما زال يتعاون مع ابن عمه، أحمد، الذي يدير صفحة فيسبوك في الطفيلة تضم أكثر من 10 آلاف متابع، حيث يبدأ في كل موسم قطاف للزيتون بنشر صور «لتنك الزيت» المكتوب عليها بقلم «فلوماستر» (زيت رومي أصلي)، وأن لديه زبائن، لكنهم محدودين من العاصمة عمان، وبعض دول الخليج، فيما لا يزال يتطلع إلى توسيع دائرة مبيعاته ضمن هوية بصرية تليق بمنتجه وزملائه من المزارعين الذين ينتجون مثل هذا النوع الجيد من الزيت في محافظة الطفيلة.
وفي مهرجان بصيرا قبل بضعة أعوام؛ الذي استقطب أكثر من 5 آلاف زائر، باع محمود، حينها، زجاجات صغيرة من زيته، لكنه لاحظ تردد الزبائن نحو الشراء بسبب وجود زيته في عبوات بلاستيكية تقليدية ولا تحمل أي علامة تجارية أو معلومات عن الزيت، سوى ما يشرحه لهم خلال عملية البيع، وأنهم رغم ثقتهم بزيت الطفيلة وجودته؛ إلا أن الزبائن يقارنونه بالعلامات الأجنبية المعبأة بزجاج داكن ولافت وذي شكل ومعلومات كاملة، ليعكس هذا الواقع تحديًا أوسع في الطفيلة.
وفي كل عام؛ يعود محمود إلى بستانه في نهاية موسم القطاف، ليتفقد أشجاره الرومية التي تقاوم الجفاف والرياح وقلة الترويج، وسط حلمه بيوم يرى فيه زيته على رفوف الأسواق المحلية والعالمية، مع ملصق يحمل اسم «زيت الطفيلة».