بعدما تغيّرت أنماط الحياة المعاصرة، حين ارتباطنا بالماكينة، ثمّ بالتقنيات المرتبطة بالتكنولوجبا ومؤخرا بالمونولوجيا، وأصبح الخيال العلمي على مشارف الحقيقة، بل والواقع أحيانا كثيرة، كان لزاما أن تتغير مفاهيم كالحضارة والتقدم والنموّ. وتنمو مفاهيم متجددة كمحاسبة الموظف على النتائج، وأساليب نقل المعرفة.
ومن خلال الدراسات العالمية بالمقاييس المتطورة، أصبحت الحضارة والنموّ والتقدم.. ترتبط بمؤشرات ينبغي تحصيلها لضمان التقدم في سلّم التقدم ولتحقيق المراتب في المنافسة بين الدول، ومن تلك المؤشرات: «المعرفة» ولعلّ ارتباطها بالابتكار –بأنواعه- هو الذي أعطاها البُعدين: الاستراتيجي والعالميّ.
وحتى لا أخوض في غمار بحر لجج خبرتي فيه متواضعة، حيث عُنيت بشيء منها سابقا، إلا أن هناك متخصصين يمكنهم التأسيس والتأصيل فيها، غير الذي يعنيني هو ما قرأته، بأنّ الأردنّ على مؤشر «المعرفة» تبوّأ المرتبة (88) عالميّا. وهنا يأتي التنبيه على بعض الأمور التي يجب أن نأخذها بجدّيّة واهتمام، منها:
أولا: ضرورة بناء أجيالنا على تبنّي مبادئ ثابتة كالأخلاق، السموّ، حبّ العِلم، الإيثار، وغير ذلك من المبادئ التي يحبها الله ورسوله. ثمّ مبادئ الوطن: حبّ الوطن، الحرص على معرفة الواجب قبل الحقوق، الحفاظ على الأوطان بأمانة، ثم.. المبادئ الإنسانية: مراعاة شعور الآخرين، الأمانة في الأخذ والعطاء، الصدق في القول والعمل.
ثانيا: بناء الإنسان الحضاريّ الذي يكون حريصا على نفع الآخرين، بعيدا عن حبّ الذات، ويُقبل على المعرفة من جذورها، ويصبر على التعلم، ضمن أمور ينبغي أن تنغرس كقِيم في نفوس أبنائنا وبناتنا منذ المراحل الدراسية الأولى، وهو ما تحاول مدارسنا تحقيقه. وقد نحتاج إلى مراجعة حثيثة لمعرفة مدى تعاون الأبوين مع مدارسنا، ومعرفة المقدرة لدى مدرسينا ومدرساتنا وغيرهم من المعنيين بالمراحل الأولى لنقل المعرفة، والقدرة على التحسين والابتكار فيما يتعلمه التلاميذ.
ثالثا: الحذر من انهماكنا بالتقنيات: فالدواء والغذاء على أهميتهما الحياتية الزيادة منهما تضرّ ولا تنفع، ولعلّ ارتباطنا بالتقنيات أدى إلى اختلال شيء من العادات، كالسهر الطويل الذي يظهر جليًّا في الازدحام الصباحيّ قبيل دقائق من بدء الدوام، ويظهر في تأخر أبنائنا الطلاب عن واجباتهم، وانطلاقنا السريع نحو الشراء بشتى أنواعه ومراتب أهميته، مما أخلّ -نوعا ما- بكينونة الأسرة، مما حرِمَنا تعزيز الابتكار الذي منشؤه الثقة بالنفس، وليس كالأسرة معززا للثقة بالنفس.
رابعا: ضرورة الإفادة من الدورات التدريبية: انّ وزاراتِنا لم تألُ جهدا في تدريب كوادرها وتنمية قدراتهم، سوى أننا ما زلنا –غالبا- نواجه خللا في الإفادة من الدورات، فهناك من يظنّ أنّ الدورة إنما هيَ نزهة، أو من مضيعات الوقت، وبذلك يشكلون خسارة لأنفسهم ووظائفهم، بما لا تخفى على أحد.
خامسا: التنبه إلى أهمية المصداقية في العمل: فالعامل والموظف اليوم هو المعلم والمدير غدا، والتلميذ هو الدكتور والمدرس غدا، إذا تدرّج أبناؤنا على المصداقية والانتماء والإخلاص لمن يعلّمهم ويأخذ بأيديهم، ويثبت ويصبر على تعلم الكفاءة والصنعة والمهنة، لينفع وينتفع.
وأخيرا.. لئلا تنقطع عنا كثير من الخبرات، ونفقد كثيرا من القدرات، ولا نجد من يعطينا الآلة للابتكار، ولن يعطينا المعرفة التي بها ننقل المعرفة، وننافس من سبقنا من الدول بالأمس ونسبقهم غدا في نقل المعرفة وغيرها مما نسعى إليه، علينا أداء واجبنا تجاه مهنتنا ووظيفتنا بالجدّ والهمة والإخلاص والنشاط، فينفعنا الله وينفع بنا بلادنا والإنسانية جمعاء.