في حياة الطالب الأردني المغترب، لا تكفي سنوات الدراسة ولا السهر الطويل ولا حتى التميّز الأكاديمي ليُعترف بشهادته عند عودته للوطن، ولكن؛ هناك شرط واحد، صامت منذ البداية، يفرض ثقله مع مرور الوقت، وهو شرط الإقامة في بلد الدراسة.
يشترط نظام معادلة الشهادات في الأردن بأن يقضي الطالب عدداً معيناً من الأشهر فعلياً في بلد الدراسة، حتى تُعادَل شهادته لاحقاً بعد تخرجه، وقد يبدو هذا الشرط منطقياً على الورق، لكنه في الواقع يتحول إلى عائق كبير أمام طلاب كافحوا سنوات، وأكملوا متطلبات علمية صارمة، فقط ليتفاجأوا بأن الشهادة لا تُعادَل لأنهم لم يقيموا عدداً كافياً من الأشهر في البلد الذي درسوا وأنهوا دراستهم فيه، رغم أن الجامعة تكون من الجامعات المعتمدة، وتصنيفها العالمي يكون مرتفعاً.
تخيّل معي طالباً يسافر ليلتحق ببرنامج دراسي معتمد، ويتكلف بمصاريف الدراسة والإقامة، وينجح، ويتخرج، ويحمل حلمه بين يديه، لكنه عندما يعود إلى بلده، يُقال له إن شهادته غير معترف بها ولا يستطيع معادلتها لأنه لم يُمضِ عدداً كافياً من الأشهر هناك بسبب شرط الإقامة، وكأن القيمة الحقيقية للدراسة لا تُقاس بالمعرفة ولا بالاجتهاد، بل بعدد الأيام على الجواز.
هذا الشرط لا يأخذ بعين الاعتبار أن بعض البرامج قد تكون مكثفة أو تقدم محتواها عبر نمط التعليم المدمج، الذي بات الآن دارجاً ومعتمداً في الكثير من الدول حول العالم، أو أن ظروف بعض الطلاب المادية أو الشخصية قد تفرض عليهم تقسيم إقامتهم أو العودة المؤقتة خلال الدراسة، ولكنه أيضاً لا يراعي أن طالباً التزم بالخطة الدراسية واجتاز كل المتطلبات الأكاديمية بنجاح، ولا يقل كفاءةً عن غيره وقد يكون أفضل منهم.
إن التمسك بشرط الإقامة بعدد معين من الأشهر، دون مرونة أو مراعاة الواقع الذي أصبحنا نعيش فيه، أو النظر في طبيعة البرامج المقدمة من الجامعات بالخارج، يُفرغ الرحلة العلمية من معناها، ويحوّل فرحة التخرج إلى خيبة، حيث بات من الضروري إعادة النظر في هذه المعايير الجامدة، فالمعادلة يجب أن تُبنى على التقييم العلمي والمحتوى الأكاديمي، لا على جداول الإقامة وحدها، وإلا، سنبقى نُحبط طاقات واعدة فقط لأنها لم تسكن بما فيه الكفاية، بينما كانت تدرس بجدارة.
فالطالب الأردني لا يبحث عن استثناء، بل يطلب عدالة، ويريد نظاماً يقدر تعبه وسفره، ويعترف بجهوده العلمية، ويرى في شهادته ثمرة اجتهاد، لا ورقة ناقصة بسبب رقم في بند الإقامة.
