تشهد القضية الفلسطينية منعطفًا خطيرًا مع الكشف عن الخطة الإسرائيلية لإعادة احتلال قطاع غزة بشكل دائم، والتي تمثل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن، وتُهدد بتفجير الوضع الإقليمي، وإدامة معاناة المدنيين، وتحويل الصراع إلى حرب وجود طويلة الأمد.
ففيما يتعلق بملامح خطة الاحتلال ومخاطرها الإستراتيجية، تعتمد الخطة - وفقًا للوثائق المسربة - على احتلال عسكري دائم، يشمل تقسيم غزة إلى محاور أمنية (مثل نتساريم وصلاح الدين)، وإنشاء ممرات عسكرية تعزل تجمعاتها السكانية، وتهجير مئات الآلاف من سكان شمال القطاع لتحويله إلى منطقة عسكرية مغلقة. كما تهدف إلى فرض سيطرة إسرائيلية مباشرة على توزيع المساعدات الإنسانية عبر شركات أمنية خاصة، ما يعني تحويلها إلى أداة ضغط سياسي، وحرمان السكان من أبسط حقوقهم في الغذاء والدواء، وهو ما يُنذر بكارثة إنسانية غير مسبوقة.
الأخطر أن الخطة تتضمن بناء بنية تحتية عسكرية دائمة (طرق، مواقع عسكرية، شبكات مراقبة)، ما يؤكد نية البقاء الطويل، وهو تحول جذري عن سياسة «الانسحاب المؤقت» السابقة. هذا الاحتلال لن يؤدي إلا إلى تفكيك أي أمل بحل الدولتين، وتعزيز نظام الفصل العنصري، وتكريس غزة كسجن مفتوح تحت القصف اليومي.
الخطة تعد انتهاكا صارخا للشرعية الدولية حيث تتعارض مع القانون الدولي من عدة جوانب من اهمها: انتهاك مبدأ حظر الاستيلاء على الأراضي بالقوة (المادة 2 من ميثاق الأمم المتحدة)، والذي أكدته قرارات مجلس الأمن مثل القرارين (242 و338)، التي تشترط انسحاب إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 1967، والتهجير القسري للسكان، الذي يُعتبر جريمة حرب وفق المادة 49 من اتفاقية جنيف الرابعة، والتضييق على المساعدات الإنسانية الذي يعتبر مخالفًا للبروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، الذي يوجب توفير الاحتياجات الأساسية للمدنيين في المناطق المحتلة، اضافة الى التغييرات الديمغرافية التي يمكن ان تحدث عبر تهجير الفلسطينيين إلى سيناء، وهو ما يُجرمه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية (المادة 8)، كما تتجاهل الخطة عشرات القرارات الدولية، أبرزها القرار 1860 (2009) الذي يطالب بوقف الاعتداءات على غزة وفتح المعابر، والقرار 2334 (2016) الذي يدين الاستيطان، ما يؤكد أن إسرائيل تتعامل مع المجتمع الدولي باعتبارها كيانا فوق القانون.
اما فيما يتعلق بالتداعيات إلاقليمية والدولية فستؤجج هذه الخطة التوترات الإقليمية، فتحويل غزة إلى «مستعمرة عسكرية» سيدفع الفصائل الفلسطينية إلى تبني تكتيكات أكثر عنفًا، وقد يجر دولًا مثل إيران وحلفائها وتنظيمات متشددة إلى مواجهة مباشرة، خاصة مع تهديدات بن غفير بقصف مخازن الغذاء. كما تُعمق الخطة انقسامات السياسة الدولية؛ ففي حين تُدين الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي الاحتلال، تواصل الولايات المتحدة دعم إسرائيل سياسيًا وعسكريًا، ما يُضعف هيبة المنظمات الدولية.
إن صمت المجتمع الدولي على هذه الخطة سيفتح الباب أمام تكريس الاحتلال الدائم، ويدمر أي فرصة للسلام، وهو ما يتطلب تحركًا عاجلًا لفرض عقوبات دولية على إسرائيل، ودعم المحكمة الجنائية الدولية في تحقيقاتها، وممارسة المزيد من الضغوط لتنفيذ قرارات مجلس الأمن، خاصة وان قضية غزة لم تعد مجرد صراع عسكري، بل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة واستقرارها ومستقبلها واختباراً لمصداقية النظام الدولي في مواجهة الظلم والعدوان وحماية حقوق الإنسان واحترام كرامته وحقه في العيش بأمن وسلام.