تتوسع إسرائيل في عملياتها على اليمن بعد سقوط أحد الصواريخ التي أطلقتها جماعة أنصار الله في مطار بن غوريون، وتصل هجماتها إلى مطار صنعاء الذي أخرجته عن الخدمة وعزلت بذلك اليمن عن بقية العالم، حيث ألغيت الرحلات المغادرة والمتجهة إلى اليمن بعد القصف الإسرائيلي، ويأتي ذلك بعد قصف متواصل لميناء الحديدة الاستراتيجي الذي يعد مدخلًا لما تبقى من التجارة اليمنية مع العالم.
أمام الإفراط الإسرائيلي في الاعتداءات على أكثر من بلد عربي، والسعي إلى ترك بصمات واضحة على البنية التحتية، والضرب في أعماق المدن والمصالح الحيوية، يبقى السؤال قائمًا حول تصور إسرائيل للمستقبل، ومدى قناعتها بأنه يمكن بعد ذلك كله الحديث عن السلام، بافتراض أن ما تقوم به إسرائيل من أعمال عدائية حسب مزاعمها يستهدف تحقيق أمن إسرائيل في المدى البعيد.
إسرائيل لا تريد السلام وتعتبره عبئًا عليها، وحالة الحرب هي التي تمكنها من استجماع الظروف المناسبة للحفاظ على كينونتها لتؤجل وسطها الأسئلة التي تظهر تناقضاتها الاجتماعية، فالعدوانية الإسرائيلية التي تظهر في صراعاتها في المنطقة هي انعكاس لعدوانية كامنة في المجتمع داخلها، كانت تعبر عن نفسها من وقت إلى آخر، وتصل إلى حد ثورات فئات مهمشة في المجتمع داخل (إسرائيل)، ونفس العقلية التي تفشل في تسيير السلم المجتمعي هي التي تستهدف السلام في المنطقة، فالحرب وما تنتجه من مشكلات وأزمات هي مناخها المناسب.
الحكومة اليمنية الإسرائيلية تتحرك بشهوة السيطرة على المنطقة، بأهداف ذات سقف مفتوح لا يمكن الوقوف على مداها، وداخل عملية التغول الإسرائيلية تكمن مطامع واضحة منها السيطرة على البحر الأحمر بأكمله ليصبح بحيرة إسرائيلية تتكامل مع مشروع سيطرة إسرائيل على التجارة بين الشرق والغرب، وتمنح دولة الاحتلال الفرصة لفرض سيطرة مباشرة وغير مباشرة على أكثر من موقع في المنطقة، ولتحقيق ذلك، فهي تسعى لإلتهام الحقوق الفلسطينية تجاه حيز جغرافي أوسع يتناسب مع رؤيتها لمشروعها المستقبلي، وربما كما يفكر غلاة اليمين المتطرف، إضافة المزيد من الأراضي التي لم يكن متخيلًا أن تفرض إسرائيل سيطرتها عليها.
فكرة تحقيق هذه الغايات من خلال السلام لم تكن الخيار الذي يحمله اليمين الإسرائيلي، لأنه سيجعله غير ضروري بسلوكه العدواني ومركزية فكرة الأمن على غيرها من اعتبارات، ومع ذلك، تحصل اليمين الإسرائيلي على مكافآت مجانية تحت طائلة الدعم الذي قدمه الرئيس الأمريكي ترامب في فترته الرئاسية الأولى، ولا يوجد ما يدفع للإعتقاد بأن تغيرًا جوهريًا سيصبغ فترته الرئاسية الحالية، والظروف الموضوعية من خلال سياسة الاستفزاز تمكن إسرائيل من الحصول على مكتسبات تبقى كبيرة مهما اضطرت لتخفيضه في مفاوضات شكلية لإرضاء ما يتصوره الرئيس ترامب سلامًا على طريقته الخاصة.
يتوارى الواقع المؤسف في غزة، وتحالف الموت جوعًا وبردًا مع الموت بواسطة القصف الوحشي والعشوائي وراء صراعات تسعى إسرائيل لتوسيعها خارج الحدود، بحيث تصبح هذه الأخبار التي تدفعها إلى خانة العاجل الأولوية لتواصل إسرائيل مشروع الإبادة في قطاع غزة، بل ويمكن في ظل التشاغل العالمي بحرب جديدة على اليمن، أن تعمل إسرائيل على تفريغ القطاع وفقًا للخطط الأخيرة التي أقرت على المستوى العسكري وتستهدف محاصرة الفلسطينيين في شريط ضيق تجاه الحدود المصرية.
تضرب إسرائيل كل معنى للسلام وتحاول أن تحصل على نصر يحقق أهدافًا أمنية لتأمين مشروعها الكبير، ولكن ذلك سيستجلب أزمات وكوارث ستجعل الثمن الذي يتحمله الجميع أعلى وسيهدد مستقبل الأجيال القادمة ويحيل المنطقة إلى برميل من البارود لا يعلم أحد متى يمكن أن ينفجر وكيف.
يفترض أن يكون الأمن لإسرائيل هو ثمرة للسلام، وإسرائيل لم تتعلم ذلك عندما عزلت غزة عن العالم، واستفردت بأهلها في حصار متواصل، وتواصل ارتكاب الأخطاء، وما سيتحقق في المدى القصير من تهدئة ترضي إسرائيل، يمكن أن ينقلب من غير الاعتراف بالحقوق الفلسطينية، كما يطالب الأردن ويحذر على الدوام، إلى مدخل إلى حروب جديدة بأدوات وتفاصيل مختلفة، فالسلام لا يقوم على تكريس الظلم والعدوان بمنطق القوة، وفي النهاية، تدفع الشعوب جميعها تكلفة ذلك، وتتقاسم جميع الأطراف تكلفة بقاء ذلك اليمين المنفلت الذي يسيطر على إسرائيل ويقود المنطقة عبر خرائط الخراب.
