من اليمن إلى تل أبيب وصولاً إلى طهران.. خريطة إقليميّة تعاد صياغتها تحت نار التهديدات المتبادلة من عاصمة إلى أخرى.
الحوثيون يكسرون جغرافيا المواجهة، وبنك أهدافهم يتجّه إلى مطارات إسرائيليّة. في تل أبيب جاء الردّ سريعاً والضربات لن تقتصر على الحوثيين، لا بل ستصل إلى إيران.
طهران هي الأخرى لم تتأخر فأطلقت تحذيراً حاداً مفاده أنّ أيُ هجومٍ على إيران سيقابلُ بردٍ قاسٍ، لكنّها حاولت النأي بنفسها عن هجمات الحوثيين، مؤكدةً أنّ تحركاتهم مستقلّة، ولا تخضع لتوجيهات طهران.
فهل تسير المنطقة نحو مواجهة إقليميّة واسعة؟! بينما تتواصل الغارات الأميركيّة ضد أهداف الحوثيين في اليمن، أكّدت جماعة الحوثي عزمها تكرار استهداف المطارات الإسرائيلية وعلى رأسها مطار بن غوريون.
المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع قال: "إنّ هذهِ الخطوة تأتي رداً على التصعيد الإسرائيلي بقرار توسيع العمليات الحربيّة الإسرائيليّة في قطاع غزّة"، داعياً شركات الطيران العالميّة إلى إلغاء رحلاتها إلى المطارات الإسرائيليّة. في المقابل توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتوجيه المزيد من الضربات إلى الحوثيين، وهدّد بأنّ الرد سيكون أيضاً عبر ضرب إيران في الوقت والزمان اللذين تختارهما إسرائيل. وما مرّت ساعات على هذا الوعيد، حتى شنّ سلاح الجو الإسرائيلي سلسلة غارات جوية على أهداف في اليمن، بعد يوم من تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بـ"التحرك" ضد الجماعة اليمينية رداً على استهدافها مطار بن غوريون في تل أبيب، الأحد الماضي.
من يتمعن بالضربات العسكرية التي شنتها إسرائيل على أهداف في الحديدة التي تبعد نحو ٢٠٠٠ كم عن تل أبيب، يلاحظ أنّ إسرائيل تعيد حساباتها مع الحوثيين بعد استهدافهم محيط المطار في تل أبيب، ونتنياهو توعد الجماعة بمزيدٍ من الضربات في معاقلها في اليمن، ووزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس هدد بردٍ بسبعة أضعاف، وهو الأمر الذي خرج من إطار التهديد والوعيد إلى التنفيذ.
كما يبدو أن الصاروخ البالستي الذي أطلقه الحوثيون على إسرائيل سترتد آثاره على إيران.. هكذا تطورت الأمور بعدما استهدف الحوثيون في اليمن المطار بصاروخ بالستي نجح بالوصول إلى هدفه، من بين عشرات الهجمات التي اعترضتها أنظمة الدفاع الإسرائيلي، فخرج بعدها الإسرائيليون يدعون إلى ضرب إيران، معتبرين أنها من تطلق الصواريخ البالستيّة على إسرائيل، ورأوا أنّ الضربات الأميركية اليوميّة ضد الحوثيين لم توقف تهديداتهم، وأنّ تحذيرات واشنطن لطهران من مغبّة دعم الجماعة الموالية لها في اليمن لم تترجم إلى أفعال ملموسة حتى الساعة.
فهل ستدفع إيران ثمن هجمات الحوثيين على إسرائيل؟ وماذا عن تأثير تلك الهجمات على المحادثات النووية؟
إيران التي كشفت عن صاروخ بالستي جديد "قاسم بصير" يصل مداه إلى ألف ومئتي كيلومتر، وقادر على تجاوز أنظمة الدفاع الجوي المضادة للصواريخ الباليستية، بعد بضعة أيام من الانفجار في ميناء رجائي بندر عباس الذي قيل إنه يحوي مواد لتصنيع وقود الصواريخ، وتزامناً مع إطلاق الحوثيين صاروخاً على مطار بن غوريون، تمكّن من تخطّي الدفاعات الإسرائيليّة. فإنّ توقيت الإعلان عن الصاروخ يحمل دلالات مختلفة، خصوصاً في ظل ترقب جولةٍ جديدة من المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران، بعدما أرجئت يوم السبت الماضي، وهو أمر يتضح من خلال رغبة طهران بإيصال رسائل متعددة إلى واشنطن، بشأن التوصل إلى تسويات ترضي إيران على صعيد المفاوضات المتعلقة في الملف النووي.
ويكمن السؤال الأبرز حول ماذا وراء توقيت الكشف عن الصاروخ الإيراني الجديد؟! ولمن توجّه إيران هذهِ الرسالة؟! وهل تجرّ المنطقة إلى التصعيد؟!
من الواضح أن إيران أرادت الإعلان عن الصاروخ في هذا الوقت، في ظل التصريحات الأميركية المتكررة باحتمال اللجوء إلى الخيار العسكري ضد إيران في حال فشلت المحادثات الرامية إلى التوصل لاتفاق نووي جديد. في وقت أعلن الرئيس الأميركي ترامب فيه أنّ هدف بلاده من المفاوضات مع إيران هو تفكيك كامل لبرنامجها النووي، مؤكداً بأنّه لن يقبل بأي حلٍ دون ذلك. وقال ترامب في مقابلة تلفزيونية إنه يريد لإيران أن تكون دولة ناجحة من دون سلاح نووي؛ لأن امتلاكها لهذا السلاح يعني دمار العالم حسب تعبيره.
وأبدى ترامب انفتاحه على برنامج نووي مدني لإيران. في المقابل جددت إيران اعتراضها على الطلب الأميركي بوقف تخصيب اليورانيوم داخل أراضيها.
وقبل ذلك كان تعليق نتنياهو حول هجمات الحوثيين على إسرائيل الذي جاء عبر حسابه الخاص على منصّة إكس، حيث ردّ على منشور للرئيس ترامب يعود إلى شهر آذار الماضي!!
نتنياهو اختار أن يكون ردّ على تغريدة سابقة للرئيس ترامب يقول فيها إنّ الهدف هو إيران؛ ليقول ان الردّ آتٍ..
فهل سيكون رده المقبل في اليمن أم في إيران؟! وهل ستفتح صواريخ الحوثي جبهة جديدة على إيران؟!
فبعد كل مرة يظن فيها البعض أنّ المشهد لا يحتمل مزيداً من التعقيد تنفتح جبهة جديدة وتدخل أزمة على خط أزمة.
صاروخ واحد فقط سقط في تل أبيب، ففتح الأسئلة والردود، فتل أبيب تدرس الرد على مراحل، رد لاستعادة الردع أم للهروب من مأزق غزّة؟ وإذا كان صاروخ الحوثيين هزّ صورة الردع الإسرائيليّة فهل تمتلك إسرائيل بنك أهداف حقيقياً في اليمن؟ وهل تنجح حيث لم ينجح الأميركي حتى الآن إذا لم يكن قد فشل أساساً؟!
بالمقابل لا بد من مساءلة النوايا الحوثية كذلك، صحيح أنّ الحوثي يرفع شعار دعم غزّة، لكنّ هل خفف الحوثي من معاناة الغزيين منذ دخول هذا المعترك أم زادها؟ وهل كانت ضربة الحوثي لأجل عيون الفلسطيني أم رسالة نيابة عن إيران؟ أم أنّ طهران أرادت أن تقول على لسان حلفائها أنها قادرة على الرد في وجه التهديدات بحقها؟ وهل كان هذا الصاروخ اختباراً لأنظمة الدفاع الأميركيّة والإسرائيلية والقدرة على تجاوزها؟
يبدو بأنّ الأيام المقبلة ستكون حبلى بالأحداث السياسيّة في إطار الرغبة الإسرائيليّة في المواجهة العسكرية مع إيران من خلال توجيه ضربات عسكرية لمواقع تتعلق في منشآت نووية وعسكرية في طهران، بينما يميل الرئيس الأمريكي إلى الجانب الدبلوماسي للتفاوض مع طهران حول برنامجها النووي.