مجتمع

«شتوة أيار» تقلب الموازين البيئية والصحية في الطفيلة

 

 

هطلت أمطار غزيرة على الطفيلة خلال اليومين الماضيين، في حدث نادر قلّما تشهده المحافظة خلال أيار، لتكسر بذلك سلسلة من المنخفضات الجافة التي أنهكت المحافظة في نهاية موسم الشتاء الحالي،

وتأتي لتنعش آمال المزارعين، وتخفف معاناة مرضى الجهاز التنفسي، بعد أسابيع من موجات الغبار الكثيفة التي اجتاحت المحافظة، مخلفة وراءها تحديات صحية وبيئية غير مسبوقة، حيث لم تقتصر هذه الشتوة غير المتوقعة على إحياء الأراضي الزراعية، بل أعادت التوازن البيئي إلى المحافظة، التي كادت تشكّل تحديا كبيراً لموسمها الزراعي بالكامل، لتتحول إلى رمز للأمل في مواجهة التحديات المناخية والامراض الصحية التي باتت تظهر بشكل ملحوظ بين مرضى الجهاز التنفسي.

وأكد الطبيب محمود السعودي، أن الغبار يمثل تهديداً خطيراً على الصحة العامة، لأنه يحمل فيروسات، وبكتيريا، وجزيئات دقيقة يقل حجمها عن (2.5) ميكرون، قادرة على اختراق الحويصلات الهوائية في الرئتين، موضحا أن هذه الجزيئات تسبب تفاقم أمراض مثل الربو، والتهاب الجيوب الأنفية، والتهاب الشعب الهوائية المزمن، حيث سجلت عيادات طبية في المحافظة زيادة بنسبة (30%) في عدد المراجعين خلال الشهر الماضي بسبب أعراض تنفسية مرتبطة بالغبار.

وأضاف السعودي ان الأمطار تلعب دوراً حاسماً في تنقية الأجواء، حيث تسحب هذه الجزيئات إلى الأرض، وتقلل تركيز الملوثات بنسبة تصل إلى (70%) خلال ساعات، مما يوفر راحة فورية للمرضى، ويحد من انتشار الفيروسات المحمولة جواً.

من جهته؛ عبّر المهندس طارق العبيدين، مدير مديرية زراعة الطفيلة، عن ارتياحه العميق لهذه الأمطار، التي وصفها بـ'المنقذة» للموسم الزراعي، مؤكدا على أن هطول الأمطار في أيار، بدرجات حرارته المعتدلة، يساعد على إنعاش المحاصيل، خاصة أشجار الزيتون، والعنب، والتين، التي عانت من نقص في الرطوبة.

وأوضح العبيدين أن هذه الأمطار تعيد خصوبة التربة، وتغذي الجذور، مما يرفع إنتاجية المحاصيل بنسبة قد تصل إلى (40%) مقارنة بالتوقعات السابقة، مضيفا أن الطفيلة، التي تعتمد زراعياً على الأمطار بنسبة (80%)، كانت تواجه خطر تأثر موسمها بشكل كبير، لولا هذه الشتوة التي أعادت الحياة إلى الحقول، وقلبت موازين الإحباط إلى تفاؤل.

وأظهرت دراسات منشورة على موقع المنظمة العالمية للأرصاد الجوية أن الأمطار المتأخرة، مثل هذه في أيار، تحمل أهمية بيئية كبيرة، حيث تعيد التوازن للنظم الإيكولوجية المتضررة من الجفاف، وتساعد على استعادة الغطاء النباتي، وتقليل مخاطر التصحر، التي تهدد المناطق شبه القاحلة مثل الطفيلة، حيث انخفضت مساحة الأراضي الخضراء بنسبة (15%) خلال السنوات الخمس الماضية، كما تساهم في تجديد المخزون الجوفي، الذي تراجع بنسبة (25%) مقارنة بالعقد الماضي، وفقاً لتقرير وزارة المياه والري الأردنية، فيما تشير بيانات مواقع بيئية إلى أن ال?مطار الربيعية تتيح امتصاصاً أفضل للمياه في التربة، مما يعزز نمو النباتات، ويحافظ على التنوع البيولوجي. واستقبل سكان الطفيلة هذه الأمطار بفرح غامر، حيث خرجت عائلات للاحتفال في الحقول، في الوقت الذي أعادت فيه تدفق المياه في الأودية الحيوية إلى المناظر الطبيعية، وبدأ المزارعون بإعادة تقييم خططهم، مع توقعات بتحسن كبير في إنتاج المحاصيل، حيث لم تقتصر الفوائد على القطاع الزراعي، بل امتدت إلى تحسين نوعية الهواء، وتقليل الضغط على المرافق الصحية، التي كانت تعاني من تدفق المرضى، لتظل هذه الشتوة دليلاً على قدرة الله ?لى تغيير الموازين، وإحياء الأمل رغم التحديات المناخية المتزايدة.