يشهد الأردن بشكل خاص والشرق الأوسط بشكل عام تغيرات مناخية متسارعة تضع منظومات المياه والزراعة تحت ضغوط غير مسبوقة، في وقت ترتفع فيه درجات الحرارة بوتيرة تفوق المعدلات العالمية.
وتبرز دول مثل الأردن والعراق وسوريا على رأس قائمة البلدان المتأثرة بهذه التغيرات، مع استمرار استنزاف المياه الجوفية وتراجع الأمطار.
وتفيد تقارير بيئية بأن المنطقة تشهد ارتفاعًا حادًا في درجات الحرارة منذ أكثر من عقد، إذ سجّلت شبكة زوي للبيئة أن الفترة الممتدة بين عامي 2013 و2022 شهدت زيادة بلغت 2.8 درجة مئوية، لا سيما في الأردن شرق سوريا والعراق.
ويأتي هذا في وقت تحاول فيه دول العالم الالتزام باتفاق باريس للمناخ، الذي يهدف إلى إبقاء الاحترار العالمي دون درجتين مئويتين، ويفضل أن لا يتجاوز 1.5 درجة.
ووفق توقعات التقرير، المنطقة ستشهد مستقبلاً مزيداً من موجات الجفاف، ما لم يتم اتخاذ خطوات حاسمة لإعادة هيكلة السياسات المائية والزراعية.
ومن أبرز التحديات، اتساع رقعة الصحارى والأردن وفلسطين، واستمرار اعتماد الزراعة على المياه الجوفية التي لا تُعوض بسهولة في ظل تراجع الأمطار. ويُتوقع كذلك أن تتغير ملامح الشتاء في المدن الكبرى.
في الأردن، الذي يُعد من أكثر البلدان جفافاً في العالم، تتزايد التحديات المرتبطة بندرة المياه. فقد كشفت دراسة نُشرت عام 2023 في مجلة Water بعنوان «الموارد المائية في الأردن: مراجعة للتحديات الحالية والفرص المستقبلية»، أن حصة الفرد من المياه المتجددة بلغت 80 متر مكعب سنويًا في عام 2020، أي أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي البالغ 500 متر مكعب.
وأشارت الدراسة التي أعدها الدكتور محمد العدوس إلى أن المياه الجوفية توفر 60% من إجمالي الإمدادات المائية في الأردن، و76% من مياه الشرب. ومع ذلك، فإن الكميات المستخرجة حالياً تبلغ نحو 508 ملايين متر مكعب سنويًا، ما يعادل ضعف الحد الآمن البالغ 275 مليون متر مكعب. هذا الوضع أدى إلى انخفاض منسوب المياه الجوفية بمعدل يصل إلى 20 مترًا سنويًا في بعض المناطق.
ولا تتوقف التحديات عند هذا الحد، بل تتفاقم بفعل التغير المناخي، إذ انخفضت كميات الأمطار بنسبة تتراوح بين 15% و35%، بينما يستهلك التبخر ما يقارب 93% من مياه الهطول المطري، ما يضعف فرص إعادة تغذية الخزانات الجوفية.
كما يعاني الأردن من ضغوط إضافية ناجمة عن مشاركة 26% من موارده المائية مع دول مجاورة، إلى جانب استضافة أكثر من 1.4 مليون لاجئ منذ عام 2010، ما ضاعف الطلب على المياه. وفي ظل بنية تحتية متهالكة، تُفقد نحو 50% من المياه بسبب التسريبات والاعتداءات والاستخدامات غير القانونية.
و كشف الناطق الإعلامي باسم وزارة المياه عمر سلامة أن العجز المائي السنوي في الأردن يتراوح بين 400 و450 مليون متر مكعب لكافة الاستخدامات. هذا الرقم يعكس فجوة كبيرة بين الموارد المتاحة والطلب المتزايد، في ظل ضعف الحلول الهيكلية وضعف الاستثمار في تقنيات حفظ المياه.
بحسب الأرقام الصادرة عن الجهات المختصة، دائرة الأرصاد الجوية فإن الموسم المطري 2024-2025 أقل من المعدلات العامة في معظم مناطق بلاد الشام، بما فيها الأردن، حيث تحقق أقل من ٦٠% من الموسم المطري الكلي نتيجة استمرار الأنماط الجوية المرتبطة بظاهرة النينيو.
الأردن ومن وراءه المنطقة كلها يقف أمام لحظة مفصلية تتطلب استجابات حاسمة تجاه أزمة المناخ والمياه. وإذا لم تُعالج أوجه القصور في الإدارة المائية وتُعتمد تقنيات أكثر كفاءة، فإن المنطقة مقبلة على أزمة مستدامة قد تؤثر على الاستقرار الغذائي والاجتماعي لعقود قادمة.