تواجه الحكومة مشكلات قديمة ومُرحلة يتوجب اتخاذ الخطوات العملية لمعالجتها، وبعضها بطبيعة الحال لا يحظى بالشعبية الكافية، ومنها ما سيترتب عليه خاسرون يرون القرارات المرتقبة مساسًا بمكتسبات تحققت لهم خلال السنوات الماضية، ومن ذلك القرار الذي صدر لتنظيم الشؤون المالية للجامعات الحكومية، ومعظمها مثقلة بالمديونية التي تتأتى من ارتفاع تكلفة الكوادر الأكاديمية والإدارية، وليس من قيام الجامعات بالتوسع في تحسين وتجويد برامجها التعليمية أو رعاية البحث العلمي.
للأسف، أصدر وزير التعليم تعميمًا لاحقًا بإلغاء كتاب سابق يشتمل على قرارات كانت في حال تنفيذها من قبل الجامعات ستخفض التكاليف وتوقف الاستنزاف لمواردها، ومنها ما يتعلق بتعيينات الكوادر في الجامعات والتأمين الصحي المطروح، وحصة الكوادر من عوائد البرنامج الموازي الذي يفترض أن يكون الأداة الرئيسية لتحقيق نوع من العدالة الاجتماعية بين فئات مختلفة من الطلبة، وموردًا مهمًا لنفقات الجامعة بحيث يلجم تصاعد المديونية القائمة، إلا أن ردود الفعل في الأوساط الأكاديمية والتمسك بالمكتسبات التي تحققت في مراحل سابقة، أدت إلى ?حب القرار فيما لا يبدو واضحًا الرجوع عنه أو تأجيله.
يشكل الإنفاق الحكومي رافعة مهمة لاقتصاد أي بلد، ولكن نوعية الإنفاق تبقى عاملًا حاسمًا، ومنها تكلفة الجهاز الحكومي نفسه، وبعض بنوده تحديدًا، فالدولة تستفيد من نفقات موظفيها وما يضخونه من أموال في الدورة الاقتصادية، ولكن تضخم الجهاز الحكومي يخلق حالة من عدم التوازن في النهاية، فتتواجد الأموال مع موظفي الحكومة، وتصبح الأموال موجهة للاستهلاك لا الاستثمار لأن عدد الموظفين كبير وبحيث تتوزع دخولهم على بنود معينة من الإنفاق، وبالمقابل، تزيد معاناة القطاع الخاص الذي يجب تمكينه ليؤدي دوره في زيادة معدلات التشغيل وال?نتاجية، وبحيث يواصل دوره في تغذية الحكومة، وتستمر العجلة في الدوران لأن الاقتصاد في مفاهيم الركود والرواج مرتبط بالحركة والديناميكية.
الكثير من الجامعات كان يفترض أن تؤدي دورًا تنمويًا إلا أن ذلك لم يتحقق بالصورة المرجوة، وتحولت بعض الجامعات إلى أفواه شرهة تتعسف في فهمها لمبادئ استقلال المؤسسات الجامعية، أو تفسرها وفقًا للأهواء، وكأن الحكومة عليها أن تبقى في موقف سلبي مع أنها تقدم الدعم لهذه الجامعات من الموازنة، وهي الأموال التي يمكن أن تستثمر في أوجه وقطاعات أخرى في حال تمكنت الجامعات من تحقيق الاستدامة التشغيلية وفقًا لمواردها المتاحة، والمفارقة، أن الجامعات التي يفترض أنها تضم في كوادرها من أصحاب المعرفة والخبرة الكفاية للوصول إلى ال?فاءة في أعمالها تواصل البقاء عبئًا على الحكومة.
المكتسبات التي تحققت خلال فترات متلاحقة تحت مبررات الشعبية أو التأجيل أو تجنب الصدام مع بعض الفئات المستفيدة تتكدس وتحتاج إلى مقاربة لتفكيكها، وإذا كانت محاولة الحكومة خلال الأسبوع الماضي ليست الأولى، وسبقتها محاولات أخرى لترشيد الإدارة المالية في الجامعات المثقلة بمديونية تقترب من مائتي مليون دينار أردني، فالأولى أن تخوض الحكومة المعركة الكبيرة بالعودة إلى قانون الجامعات، ومعالجة المواد التي تحد من قدرة الحكومة على اتخاذ القرارات الخاصة بإدارة الجامعات بوصفها كيانات خدمية ومرفقية للدولة، وهي مسألة مختلفة ?ن حماية الاستقلال للجامعات لتمكينها من أداء دورها الأكاديمي بالصورة المطلوبة.
حظيت الحكومة الحالية وفقًا لاستطلاع أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية على منسوب مرتفع من الثقة قياسًا بالحكومات السابقة، وهذه حالة مريحة لأي حكومة، ويجب أن تستثمر في التحول الرئيسي الذي يحدثه الرئيس حسان، وهو التوقف عن أن تكون الحكومة هي غاية في حد ذاتها، بمعنى الاستمرار في تغذية الحكومة من موارد الاقتصاد الأردني بصورة متصلة، وبغض النظر عن القطاع الذي يطلب المزيد من الدعم والرعاية، فجميع قطاعات الخدمة الحكومية في الأردن تحتاج إلى نظرة معمقة في أوضاعها، وقطاع الجامعات ليس أكثر أهمية من المدارس أو المستشفيات ?المراكز الصحية وغيرها من ملفات تسعى الحكومة للاشتباك معها، ويفضل أن يكون ذلك بالجملة وبقرارات واسعة وجريئة.
