محليات > العاصمة

الطيور المهاجرة.. تنوع حيوي وسلامة بيئة

مع حلول فصل الربيع، تتوافد أسراب الطيور المهاجرة إلى أجواء المملكة، في رحلة سنوية تتجدد مع كل موسم. الهجرة الموسمية للطيور، مؤشر حيوي يعكس صحة النظام البيئي العالمي، ارتفاع أو انخفاض أعداد الطيور المهاجرة يكشف الكثير عن توازن التنوع الحيوي وسلامة البيئة، مما يجعل مراقبة هذه الظاهرة أداةً علميةً دقيقة لمراقبة التغيرات البيئية. تمتلك الطيور المهاجرة قدرة مدهشة على عبور مسافاتٍ شاسعة، إذ يقطع بعضها ما يصل إلى 50 ألف كيلومتر خلال الموسم الواحد، فيما تواصل أنواع أخرى الطيران بلا توقف لأكثر من 100 ساعة متواصلة! ?فضلاً عن دورها الجمالي والإيكولوجي، تسهم الطيور المهاجرة في تعزيز الأمن الغذائي والصحي عبر تغذيتها على الحشرات الضارة، مما يساعد في السيطرة على انتشار الأمراض وحماية المحاصيل الزراعية.

وقال مدير وحدة مشاريع الطيور في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة طارق قنعير، لأن الحشرات تشكل مصدراً أساسياً لغذاء العديد من أنواع الطيور، فإن وفرتها أو نقصانها قد تحدد نجاح الهجرة وتوقيتها، حيث تدفع الحاجة للغذاء هذه الكائنات إلى الشروع في رحلاتها الطويلة.

ولا يقلّ إبهاراً عن قدراتها البدنية، امتلاك الطيور لنظام ملاحي داخلي مذهل، يعتمد على المجال المغناطيسي للأرض، ومواقع الشمس والقمر والنجوم، مما يمكنها من قطع القارات بدقةٍ فائقة، بحسب قنعير.

وأضاف، يحتل الأردن موقعاً محورياً في أحد أهم مسارات هجرة الطيور عالمياً. ويمثل وادي الأردن جزءاً من حفرة الانهدام العظيم، التي تشكل جسراً بيئياً يربط بين أوروبا وآسيا وأفريقيا. وتعد مناطق مثل الأزرق والشونة الجنوبية من نقاط «عنق الزجاجة» الحيوية، حيث تمرّ عبرها أعداد ضخمة من الطيور، مما يجعلها ذات أهمية استثنائية في جهود الحماية.

ويشهد الأردن موسمين رئيسيين لهجرة الطيور: الأول في الربيع، من منتصف شباط وحتى نهاية أيار، والثاني في الخريف، من منتصف آب وحتى نهاية تشرين الثاني. خلال هذه الفترات، تحتاج الطيور إلى بيئات صحية للتزود بالغذاء والراحة، وهو ما يجعل الحفاظ على الموائل الطبيعية أمراً ضرورياً لبقاء هذه الكائنات.

رغم روعة المشهد، إلا أن الطيور المهاجرة تواجه تحدياتٍ جسيمة مثل فقدان الموائل، التلوث، الصيد الجائر، والممارسات الزراعية غير المستدامة، ما يهدد قدرتها على إتمام رحلاتها الطويلة بسلام.

انطلاقاً من إدراكها لأهمية حماية هذه الكائنات المهاجرة، تبذل الجمعية الملكية لحماية الطبيعة في الأردن جهوداً مكثفة للحفاظ على الطيور وموائلها.

وقال قنعير «نعتبر حماية الطيور المهاجرة مسؤولية وطنية وعالمية. نحن نعمل مع شركائنا الدوليين، مثل بيردلايف إنترناشونال، لضمان مرور آمن لهذه الطيور عبر الأردن، وتوفير بيئات مناسبة للراحة أو التكاثر.'

وتنفذ الجمعية العديد من البرامج والمشاريع بالتعاون مع مؤسسات محلية ودولية، من أجل حماية مسارات الهجرة الطبيعية ومكافحة المخاطر التي تهدد الطيور. كما تولي الجمعية اهتماماً خاصاً بالتوعية المجتمعية، لإشراك المواطنين في جهود حماية هذا التراث الطبيعي العابر للحدود.

رحلة الطيور المهاجرة تجسد قصة حياة وعطاء، تذكّرنا بحكمة الطبيعة ودقتها المذهلة. وهو ما يضاعف المسؤولية على الجميع للحفاظ عليهاحتى ننعم ببيئة سليمة وكوب مستدام.