محليات > العاصمة

«الورقي» و«الرقمي».. بديل أم رديف؟

مراعاة المهنية في ظل تسارع نقل المعلومة

التحولات لا تعني «الإقصاء» بل إعادة تعريف الدور

الطاهات: استقطاب الشباب وانتاج محتوى مختصر

الصرايرة: الـ«سوشال ميديا» أدت لظهور فوضى المعلومات

الدليمي: «صحافة المواطن» و«Clickbait» يسهمان بتراجع المحتوى

القضاة: الاعلام الورقي أبطأ في الإنتاج وأعمق في المحتوى

نصراوين: القانون لا يميز بين «الورقي والرقمي» بالمسؤوليات

المخادمة تؤكد أهمية «إعلام الحلول» لمعالجة قضايا أساسية


عمان- دانية السكران ورانيا حصوة وراشد التل وحمزة العضايلة
أبدت مؤسسات صحفية عديدة استجابة واسعة للثورة الرقمية التي تقدّمت المشهد في الأوساط الإعلامية واستجدت فيها؛ إذ ساهمت في توفير صيغ تعزز وصول المعلومة على صعيد نقل الخبر وتوليد فرص عمل جديدة، ما قاد المؤسسات الإعلامية لمواكبة ظاهرة «التحول الرقمي»، وكان للمؤسسات التي تعنى بالصحافة الورقية نصيب وافر من هذه الظاهرة، إلا أن تساؤلاتٍ ظهرت حول مصير الصحافة المطبوعة إثر «الرقمنة» وكونها بديلًا أم رديفًا، في ظل ما صاحبها من تقدمٍ ملحوظ لا سيما في سرعة الانتشار والتفاعلية ومراعاة الإيجاز في المادة الصحفية وسهولة تواف?ها للجمهور، وغيرها من المزايا.

انعكاسات «الرقمنة» لم تقتصر على إيجابيات التطور الملحوظ في قدرات العمل الإعلامي فحسب، بل فتح الباب أمام ثغرات نجمَت أمام هذا المجال؛ ما أسفر عن ازدياد محددات المسؤولية الأخلاقية للعاملين في حقول الإعلام وتحرّيهم لضوابط النشر بصورة أدق، عقب انخراط شريحة واسعة من الجمهور في مشاطرتهم المهنة أو ما عُرف باسم «صحافة المواطن».

وأكد الخبير في الإعلام الرقمي، حسين الصرايرة، أن الصحافة الرقمية الأكثر تأثيرًا على الجمهور، مقارنة بالورقية في الانتشار والتفاعل، حيث إن من أبرز التحديات التي تواجه «الصحافة الورقية» في عصر انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، الانتشار الخوارزمي والعنقودي للمعلومات الرقمية، ما أدى لتراجعا وتغير مفهوم المجال العام، بالتالي حدوث أزمة الثقة بين الجمهور والإعلام.

وبين أن سهولة مشاركة المحتوى عبر «سوشال ميديا»، سمح بنشر المعلومات بطريقة سريعة دون ضوابط، وغياب الرقابة وظهور فوضى المعلومات في الصحافة، حيث فتح بابا لنشر محتوى دون تحقق من مصادره، أدى ذلك إلى انتشار معلومات مضللة، مؤكدًّا أن التغير الحاصل في مفهوم المجال العام في الصحافة الورقية، تحولت الصحافة من مهنة محكومة بمعايير مثل: التحرير والمصادر الموثوقة إلى عالم مفتوح للجميع، بما في ذلك غير المتخصصين في الصحافة.

وأوضح أن أسباب زعزعت الثقة بين الجمهور والإعلام تكمن في تقصير الصحفيين بتطوير أدوات التحرير الرقمي لمواكبة العصر، مشددًّا على أنه لردم هذه الثقة يجب أن يكون هناك قيمة مضافة عبر تحقيقات استقصائية دقيقة واعتماد نموذج الاشتراكات الرقمية المدفوعة.

من جهته، أكد مدير التحرير بوكالة الأنباء الأردنية (بترا)، الدكتور عثمان الطاهات، أن الإعلام الرقمي أصبح ضروريا في ظل التطورات التي تشهدها الصحافة، وذلك بحكم تميزه عن الإعلام التقليدي بقدرته على دمج الوسائط المتعددة كالصوت والصورة، ما يجعله أكثر جذبا للجمهور.

وقال إن التحدي الأكبر موجود في قلة المهارات الرقمية لدى الصحفيين، خاصة في الأردن، حيث تفتقر المؤسسات الإعلامية والجامعات إلى البنية التحتية والتدريب الكافي، إضافة إلى المعوقات المالية التي تقييد التطوير.

وأشار إلى أن دور الصحفي اليوم مهم لكشف القضايا وتحليلها، وهو ليس صانع القرار، لكنه يسلط الضوء على الخلل لدفع المسؤولين إلى التحرك.

ودعا إلى ضرورة استقطاب الكفاءات الشابة وتدريبها على الأدوات الرقمية، مؤكدا أن نجاح الصحفي يتطلب شغفا للتعلم لمواكبة التكنولوجيا، مع التركيز على إنتاج محتوى مختصر وواضح.

وعزا الأكاديمي والخبير في شؤون الإعلام، الدكتور عبد الرزاق الدليمي، تراجع الصحافة الورقية إلى ارتفاع تكاليف الطباعة والتوزيع، وتغيّر عادات الجمهور، وانتشار الهواتف الذكية ومنصات التواصل، إضافة إلى البيئة الرقمية التفاعلية التي باتت تقدم المحتوى لحظيًا وتتيح التفاعل المباشر معه، مبيّنًا أن هذا النوع من الإعلام يحمل وجهين؛ فهو من جهة يهدد المصداقية بسبب سرعة النشر وانتشار المعلومات غير الدقيقة، ويوفّر أدوات للتحقق من المحتوى، ويتيح تفاعلًا مباشرًا مع الجمهور يعزز الشفافية.

وأشار إلى أن انتشار «الصحافة المواطنية» واستخدام العناوين الجاذبة (Clickbait) يسهمان في تراجع جودة المحتوى، بينما تسهم الأدوات الرقمية الحديثة – عند استخدامها بشكل مهني – في تعزيز المصداقية.

وبين أن مراعاة المهنية في خضم السرعة المتحققة في مسار الإعلام الرقمي بات تحديًّا للصحفيين، ويرفع سقف التنافسية بين المؤسسات للخروج بمنتج إعلامي بسرعة تراعي جوانب الموثوقية.

وشدّد الدليمي، على أن المعادلة صعبة لكنها ممكنة، مؤكدًا أهمية تدريب الصحفيين، واستخدام أدوات التحقق الرقمي، والعمل الجماعي داخل غرف الأخبار الرقمية لتفادي الأخطاء.

ودعا إلى الحفاظ على أخلاقيات المهنة وعدم التضحية بالدقة من أجل كسب السبق الصحفي، مشيرًا إلى أن الصحافة الرقمية لا تعني الاستسهال، بل إعادة تنظيم الجهد بما يتماشى مع أدوات العصر.

وأكد أن التحوّلات الإعلامية لا تعني نهاية شكل لصالح آخر، بل هي دعوة لإعادة تعريف دور الصحافة في العصر الرقمي، مشيرًا إلى أن «المستقبل سيكون لمن يستطيع التكيّف والابتكار، دون أن يتخلى عن جوهر العمل الصحفي المتمثل في المصداقية والدقة».

بدوره، أوضح العضو السابق في نقابة الصحفيين، خالد القضاة، لـ$ أن الفروق الجوهرية بين «الرقمي والورقي» مفادها اعتماد الصحافة الرقمية على سرعة اتخاذ القرار ونشر الخبر بشكل عاجل واستخدام مهارات تكنولوجية متعددة، إضافة إلى المحتوى الذي يتطلب متابعة مستمرة بسبب تغييره السريع والتفاعل مع الجمهور عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقال إن الصحافة الورقية تتطلب وقتًا أطول للتحقق والتقصي من الأخبار وفريقًا أكبر لإنتاج المواد الصحفية المكتوبة كما أن الأخبار لها عمر أطول وتتطلب مهارات بحث وتقارير أعمق.

وأضاف: «الصحافة الرقمية تتطلب مهارات تقنية مثل الطباعة الرقمية، إعادة إنتاج الصور، والكتابة على الفيديو، حيث يتم تنفيذ جميع هذه المهام من قبل صحفي واحد في وقت سريع، في حين تحتاج الصحافة الورقية إلى مهارات عالية في البحث والتقصي، حيث إن عدد العاملين في (الورقي) أكبر مقارنة بالرقمية، نظرًا لأن كل جزء من العمل يتم معالجته من قبل مجموعة من الصحفيين المتخصصين، مشيرا إلى أن الصحافة الورقية أبطأ في الإنتاج، ولكنها أعمق في المحتوى.

وعلى صعيد متصل، لفت عميد كلية الحقوق في جامعة الزيتونة الأردنية، الدكتور ليث نصراوين، أن التشريعات الناظمة للإعلام الرقمي في المملكة جاءت لتنظيم الإعلام الإلكتروني على غرار «الورقي التقليدي»، وذلك استناداً إلى المادة (15) من الدستور التي تكفل حرية الصحافة والطباعة والنشر.

‎وأوضح أن قانون المطبوعات والنشر الصادر عام 1998، كان موجهاً في بدايته لتنظيم الصحافة الورقية، إلا أن تعديله عام 2011 جاء ليشمل الصحافة الإلكترونية، من خلال توسيع تعريف «المطبوعة» و'المطبوعة الدورية» لتشمل الوسائل الرقمية والإلكترونية، إذ إن الشروط المتعلقة بترخيص الصحافة الورقية، بما فيها الإجراءات التنظيمية، أصبحت تطبق على «الرقمية» كذلك، مؤكداً أن القانون لا يميز بين «الورقي والرقمي» من حيث المسؤوليات القانونية أو الممنوعات في النشر.

‎ وأشار إلى أن الصحافة الرقمية تخضع إلى جانب من قانون المطبوعات، لأحكام قانون الجرائم الإلكترونية، الذي يوسع نطاق التجريم ليشمل الأفعال المرتكبة عبر الشبكة المعلوماتية والمواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي.

وحول حضور إعلام الحلول في الصحافة الرقمية، أشارت الدكتورة في كلية الإعلام/ جامعة اليرموك ناهدة المخادمة، أن حضور إعلام الحلول بدأ يزداد بشكل واضح بالآونة الأخيرة في المحتوى الصحفي الرقمي مقارنة بالصحافة الورقية، معللةً ذلك لطبيعة المنصات الرقمية التفاعلية التي تتيح عرض القصص بشكل أكثر شمولية وتعمق، فيتم تقديم سياق المشكلة، واستعراض الحلول الممكنة، وعرض نتائج تطبيق هذه الحلول بشكل مرئي وجذاب باستخدام الوسائط المتعددة.

وبيّنت أن الجمهور يلجأ للمحتوى سهل الوصول باستخدام الهاتف الذكي وخلال ثواني يجد المحتوى الذي يلبي حاجاته، كما يمكن للمحتوى الرقمي الذي يركز على الحلول أن يصل إلى جماهير عالمية مهتمة بقضايا اجتماعية وسياسية واقتصادية وغيرها، ما يزيد من تأثير المحتوى، بينما لو نظرنا إلى الصحافة الورقية، غالباً ما تكون محدودة بسبب قيود المساحة ووقت الصدور.

وأضافت المخادمة، أن أبرز التحديات التي يواجهها الصحفيون عند إنتاجهم محتوى يعتمد على إعلام الحلول الحاجة إلى وقت وموارد إضافية للبحث، والتحليل المعمق للحلول، والحفاظ على الموضوعية والنقدية لتجنب الترويج لحلول غير فعالة، وأيضا تدريب الصحفيين على تقديم حلول بنبرة إخبارية لا ترويجية، كما تواجه الصحفيين صعوبة في العثور على قصص حلول مقنعة وجذابة للجمهور وبالأخص الشباب وأيضا هوالك صعوبة في قياس تأثير هذه القصص على الجمهور.

وأكدت المخادمة، أن لانتشار الصحافة الرقمية تأثير مزدوج على مصداقية العمل الصحفي؛ مما خلق تحديات كبيرة تهدد هذه المصداقية، كسهولة انتشار الأخبار الكاذبة والمعلومات المضللة عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي، وتراجع أهمية جودة المعلومة مقابل السرعة بالنشر. كما أن تأثير الخوارزميات والضغوط السياسية والاقتصادية وظهور صحافة المواطن غير المنظمة، التي ساهمت في تآكل الثقة للمعلومة المنشورة عبر المواقع وسائل التواصل الاجتماعي.

وأضافت:'في المقابل، بعد اعتماد الاردن استراتيجية الدراية الإعلامية عام ٢٠١٧ قامت بتطوير وإدراج مناهج في الجامعات والمدارس لتعزيز الثقافة الرقمية ورفع المصداقية للمحتوى الرقمي. فقد أصبح بإمكان الجمهور التحقق من المواد الصحفية المنشورة عبر الانترنت بسهولة أكبر عبر مصادر متنوعة، وزادت إمكانية الشفافية والتفاعل بين المؤسسات الإعلامية والجمهور».