يمثل مشروع الربط الكهربائي بين الأردن والسعودية تطورًا نوعيًا في مسار التعاون الثنائي بين البلدين، ويعكس إدراكًا مشتركًا لأهمية بناء بنية تحتية مترابطة إقليميًا تدعم النمو الاقتصادي وتواجه التحديات المتزايدة في قطاع الطاقة.
المشروع الذي يجري العمل على استكمال اتفاقياته التنفيذية والتشغيلية والتجارية، يُعد جزءًا من رؤية أوسع نحو تأسيس سوق كهرباء عربية مشتركة، تفتح المجال أمام تعاون إقليمي فاعل في قطاع حيوي يشكل ركيزة للاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.
الربط الكهربائي لا يقتصر على تبادل الطاقة بين بلدين، بل يحمل في طياته أبعادًا اقتصادية أعمق تتعلق بكفاءة استخدام الموارد وتخفيض التكاليف وتحسين موثوقية الأنظمة. فمن خلال توفير احتياطي مشترك من الطاقة، يتمكن كلا البلدين من تقليص الحاجة إلى بناء محطات توليد إضافية لمواجهة فترات الذروة، وهو ما يؤدي إلى تخفيض الاستثمارات الرأسمالية المطلوبة. كما يسمح تباين الطلب اليومي والموسمي بين الأردن والسعودية بخلق فرص تبادل طاقي يعود بالنفع الاقتصادي على الطرفين، إذ يمكن تصدير الفائض في أوقات انخفاض الطلب واستيراد الطاقة في أوقات الحاجة.
من جانب آخر، يُعد الربط الكهربائي عنصرًا داعمًا لخطط التوسع في الطاقة المتجددة، خصوصًا في ظل التحديات المرتبطة بدمج المصادر المتقطعة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح في الشبكة الوطنية. الربط مع شبكات إقليمية أوسع يمنح النظام الكهربائي مرونة أعلى ويسمح بتجاوز تقلبات التوليد المتجدد، مما يشجع الاستثمار في هذا النوع من المشاريع ويقلل الحاجة إلى حلول تخزين مكلفة أو إلى توليد حراري احتياطي. وهذا ينسجم مع توجه الأردن نحو التحول إلى مركز إقليمي لتبادل الطاقة، وهو ما يتطلب توفر شبكة مرنة ذات قدرة عالية على التبادل والربط متعدد الاتجاهات.
أبعاد المشروع تتجاوز أيضًا حدود الكفاءة التشغيلية، لتشمل تعزيز أمن الطاقة الإقليمي. الربط مع شبكة دولة مجاورة يعني تنويع مصادر الإمداد، والقدرة على التعافي السريع من الأعطال، وتقليل المخاطر المرتبطة بانقطاع الكهرباء المحلي أو الضغط المفاجئ على النظام. كما يساهم في تقوية العلاقات الاقتصادية بين البلدين، ويمهد الطريق أمام مشاريع طاقة مشتركة قد تمتد إلى الاستثمار في إنتاج الكهرباء الموجه للتصدير، خاصة إذا ما تكامل المشروع مع شبكات الربط الخليجية وشبكة الربط المصري وشبكات شمال إفريقيا في المستقبل.
نجاح المشروع يعتمد على استكمال الاتفاقيات الثلاث (التنفيذية والتشغيلية والتجارية) في الوقت المحدد، ووضع أطر تنظيمية واضحة تضمن التوزيع العادل للعوائد والمخاطر، وتهيئة البيئة الاستثمارية لجذب القطاع الخاص. وإذا ما تحقق ذلك، فإن المشروع لن يكون مجرد مشروع نقل كهرباء، بل حجر أساس في بناء نظام طاقة عربي مشترك أكثر استقرارًا وكفاءة واستدامة، يسهم في دعم النمو الاقتصادي ويعزز من قدرة الدول العربية على التعامل مع التحديات العالمية في مجال الطاقة والبيئة.