نشأت فكرة اللامركزية عن ملاحظة واحدة فقط وهي ان المركزية ركزت سلطة اتخاذ القرار في العاصمة ما تصور داعم اللامركزية ان ظلما وقع على بعض المحافظات ، وان ترك قرار التنمية للمواطنين عبر مجالس منتخبة يحل هذه المشكلة باعتبار ان هذه المجالس تعرف مصالح منطقتهم (محافظتهم) أكثر من الحكومة المركزية في العاصمة.
فهل تحقق ذلك ؟.
نسب الإنجاز بين مجالس اللامركزية متفاوتة فمن الطبيعي مثلا ان تكون في العاصمة هي الأعلى بفضل الإمكانيات وتركز دوائر صنع القرار لكن هل هي كذلك في باقي المجالس .
سنحتاج إلى جلسة تقييم لمراجعة اللامركزية ليس بهدف التراجع عن المشروع بقدر تطويره وإنضاجه مع أن قناعتي شخصيا بأننا لا نحتاج إلى مثل هذه التشعبات الإدارية لأسباب كثيرة .
اول هذه الأسباب هي ان الاردن ليس دولة كبيرة مترامية الأطراف حتى يتم توزيع السلطة لامركزياً وان الحكومة المركزية قادرة على الوصول إلى كل المناطق والأطراف كما أن الموازنة العامة تغطي هذا كله ..
لا شك أن من اهم أهداف اللامركزية هو خلق أدوار جديدة للاعبين جدد لفك الاشتباك بين الأدوار المختلطة بين الخدمي والسياسي والاقتصادي وتفريغ النواب للسياسات العامة وهو الدور الذي تراجع لصالح تصديهم للخدمات لكن هل هذا ما حدث فعلا .
بالنظر إلى خطابات السادة النواب سواء في جلسات منح الثقة للحكومة او التصويت على الموازنة كانت الخدمات هي سيدة الموقف .
بعيدا عن نقاط الخلاف , فللامركزية مزايا ولها عيوب والتجربة هي الحكم , بيد أنها في نهاية المطاف تحمل إجابة عن سؤال التنمية وتوزيع مكاسبها وهي شعارات لا تزال موجودة .
اللامركزية كما افهمها هي اشتراك الشعب في اتخاذ القرارات وإدارة المرافق العامة المحلية, توزيع الوظيفة الإدارية بين الإدارة المركزية والهيئات المحلية بما يخفف العبء عن الإدارة المركزية ويمنحها فرصة التفرغ لرسم السياسة العامة وإدارة المرافق القومية.
دعك من التعريفات التي حملها القانون وخلي عنك المفردات المتنوعة التي قذفت بها الكتب والدراسات, فاذا كانت المجالس المحلية في المحافظات هي التي ستحدد خططها التنموية وحاجاتها وتضع موازناتها وتقترح مشاريعها وخططها والاستثمارات التي تحتاجها فلم لا.
حسنا , سأصيغ فهمي للامركزية بتساؤلات هي على ما أعتقد أنها ما يفترض أن تحققها اللامركزية وما القانون الا خطوة على طريق الألف ميل.
-هل سيكون لكل محافظة جامعاتها ومستشفياتها وبنوكها ومصانعها الخاصة بها ووفقا لرؤيتها واحتياجاتها ؟
- هل سيكون لكل محافظة شرطتها المحلية ؟
- هل سيكون لكل محافظة نظامها الاستثماري الخاص بها ومزاياه وحوافزه بما في ذلك أنظمتها الضريبية الخاصة التي تلائم اقتصادياتها ؟.
- هل سيكون لكل محافظة مؤشراتها الخاصة , نمو وبطالة وتضخم وإنتاج ؟.
ما يهمني في نظام اللامركزية هو القدرة على مواجهة الأزمات وليس فقط الخروج منها بل المبادرة الى الابتكار لإحداث التنمية والنهوض الاقتصادي وبدلا من أن تواجه العاصمة بمفهومها المركزي ضغوط المطالب والإحتجاجات يفترض أن تكون المجالس الشعبية المنتخبة في الواجهة.
المراجعة لا تعني الرجوع عن الفكرة لكنه اجراء لا بد منه .
