لم تتعرّض شخصية سياسية أو دينية، حزبية أو إعلامية في العالم، إلى حملة تشويه وانتقادات لاذعة واتهامات يهودية/صهيونية قاسية ومُغرضة، كما تعرّض لها بابا الفاتيكان الراحل عن دنيانا مؤخراً/البابا فرنسيس كُلي الاحترام، الذي لا يكاد يختلف اثنان في هذا العالم حول نُبل شخصيته وتسامحه وفيض مشاعره الإنسانية، وصدقيته العميقة وانحيازه اللامحدود للفقراء والمُستضعفين والمُظلومين، من القوميات والأعَراق والأديان كافة، بعيداً عن الطائفية والمذهبية والآيديولوجيات والانحيازات الحزبية والسياسية، بل يوجّه نظرته ورسالته ومكانته ?لمرموقة نحو مسار التسامح الديني المحمول على ثقافة «الحوار» سواء بين الأديان والمذاهب والطوائف، أم الخلافات بين الدول والصراعات السياسية وغيرها، بعقول مفتوحة ونيّات حسنة مُنفتحة على كل ما هو إنساني واخلاقي.. نبيل وجامع، يروم تحقيق السلام بين الشعوب والأمم والأديان والمذاهب والطوائف، ويسعى إلى خير البشرية جمعاء، بعيداً عن تُجار الدين والجشع وقوى الشر الاستعمارية، وناهبة الثروات والاحتكارات الساعية الى الهمينة واستغلال الفقراء.
وإذ لم يكد ينتشر خبر رحيل هذا البابا الإصلاحي النبيل، المُتعالي على الخلافات والصراعات وخصوصاً تلك المتعلقة بالصراعات الدينية والمذهبية، كذلك بمباهج الحياة وترفها، بقدر ما كان مُولعاً وشغوفاً بمناصرة الضعفاء والانتصار للفقراء والمظلومين والمرضى والمُهمشين، حتى انبرى ساسة الدولة النازية وحكومتها الفاشية ووسائل إعلامها، للهجوم على البابا الراحل ونعته بأوصاف تُسيء إلى شخصه وإرثه الناصع، وتحطّ من قدره واستقامته ونزاهته وزهده. ودائماً في اتهامه بأنه مُعاد للسامية ومنحاز للرواية الفلسطينية، فيما واظب غبطته دون ك?ل، على الدعوة إلى وقف قتل المدنيين وإدخال المساعدات الإنسانية والطبية والإغاثية، وفي الآن ذاته التأكيد على إطلاق الأسرى الصهاينة، وفق نظرة إنسانية خالصة تروم الخير للجميع في فلسطين كما أرجاء المعمورة.
بداية الهجوم الفاشي الصهيوني على قداسة البابا جاء من درور إيدار/سفير العدو السابق في إيطاليا، مُعتبِراً هذا الدبلوماسي الوقِح، أنه «لا يليق بإسرائيل حضور جنازته»، واصفاً إياه بأنه «مُعادٍ للسامية»، بسبب مواقف البابا الراحل المناهضة للعدوان على قطاع غزة». مُضيفا/إيدار ـ وفق صحيفة معاريف أول أمس/الثلاثاء ـ إن مشاركة إسرائيل في جنازة البابا فرنسيس «تمسّ بكرامتها الوطنية»، متهماً البابا بأنه لم يُعبّر سوى عن «بضع كلمات» داعمة لإسرائيل، مقابل «اتهامه لها بالإبادة الجماعية» في غزة. مُستطرِداً: أن البابا ركّز في ?طاباته على «معاناة أطفال غزة»، مُتجاهِلاً في المقابل معاناة الأطفال الإسرائيليين، مُعتبراً أن تصريحات البابا هذه ساهَمت بشكل كبير في «تأجيج مشاعر العداء لليهود حول العالم». ولم يتردد هذا النازي الصهيوني في سياق تهجمّه على البابا بتشبيهه بـ"البابا بيوس الثاني عشر»، الذي تولى البابوية بين عامي 1939 و1958، قائلاً بصلف: إنه «بابا المَحرقة الذي لزِمَ الصمت»، زاعِماً/ إيدار: أن البابا فرنسيس «لا» ينافس البابا بيوس الثاني عشر في «مُعاداة السامية». ولم يكتف هذا الفاشي بكل ما جادت به قريحته من ترهات وخزعبلات، بل مض? إلى «الاقتراح».. بأن تكتفي حكومتة بإيفاد مُمثل رسمي من «درجة مٌتدنية» لحضور الجنازة، «في رسالة صهيونية حاقدة» تقول: إن «الدمَ اليهودي ليس بلا ثمن».
وقد نقلت وسائل إعلام صهيونية، ان"حسابات إسرائيلية» على مواقع التواصل الاجتماعي «احتفلت» بخبر وفاة البابا، مُستخدِمة عبارات مسيئة، وقد تداولت «مقتطفات» من آخر خطابات البابا فرنسيس، عبّر فيها عن تضامنه مع سكان قطاع غزة، واصفاً الحرب الصهيونية على غزة بأنها «تُولّد الموت والدمار، وتخلق وضعاً إنسانياً مُروعاً ومُشيناً». خاصة دعوة غبطته في آخر كلمة له بمناسبة عيد الفصح وقبل رحيله بيوم واحد، إلى «وقف فوري لإطلاق النار، وتقديم المساعدات الإنسانية العاجلة للفلسطينيين في غزة»، مُشدداً على أن الشعب هناك «يتضوّر جوعا? ويتوق إلى مستقبل يسوده السلام». في وقت حذفت فيه الخارجية/الإسرائيلية تعازي كانت قد نشرتها على حساباتها، عقب وفاة البابا وذلك بسبب موقفه «الرافض لحرب الإبادة على غزة». ما أثار غضباً كبيراً بين السفراء/الإسرائيليين حول العالم، خاصة في الدول الكاثوليكية، واستياءً داخلياً تجاه الوزارة. علماً ان تلك التغريدات على منصة (X) كانت عادية وبطابع بروتوكولي إنساني محض من قبيل: (أُرقد بسلام، البابا فرنسيس. لتكن ذكراه مُباركة).
** استدراك:
اتهم أفيحاي شيكلي/ وزير شؤون الشتات ومكافحة مُعاداة السامية، البابا فرانسيس بترويج «افتراءات دموية خطيرة ضد إسرائيل وتشويه التاريخ»، منتقدا/شيكلي استخدام مصطلح الإبادة الجماعية، وزاعِماً: «باعتبارنا أمة فقدتْ ستة ملايين من أبنائها وبناتها في الهولوكوست»، نحن حسّاسون بشكل خاص تجاه التبسيط المُفرط لمصطلح الإبادة الجماعية، وهو تبسيط يقترب بشكل خطير «من إنكار الهولوكوست». مُردفاً بوقاحة: «من المعروف أن يسوع وُلدَ لأُم يهودية، وعاش كيهودي، ومات كيهودي». لا يمكن فهم هذا القرار إلا كَـ"تَبَنٍ مُتعمّد للرواية الفل?طينية».
فـَ"تأملوا"!!.