في يوم العلم الأردني، الذي يصادف في السادس عشر من نيسان من كل عام، تتوشح مؤسسات الدولة والشوارع والمنازل بألوان العلم الأردني: الأسود، والأبيض، والأخضر، والأحمر. هذه الألوان لا تزيّن المشهد فقط، بل تُجسد وحدة الأرض والإنسان والقيادة. إنه يوم يحتفي فيه الأردنيون ليس فقط براية تُرفع، بل بهوية تُصان، وكرامة تُعانق السماء، وولاء يتجدد مع كل نسمة تُحرّك هذا الرمز الوطني.
العلم الأردني: أكثر من رمز
العلم الأردني ليس مجرد قطعة قماش تُرفع على الساريات، بل هو شاهد حي على مراحل التأسيس، ورمزٌ للنضال، وعنوانٌ للسيادة والحرية. ألوانه تستمدّ معانيها من راية الثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي، وهي ثورة شكلت نقطة تحوّل في تاريخ الأمة العربية. أما النجمة السباعية البيضاء المتألقة في وسط المثلث الأحمر، فهي تُمثل السبع المثاني في سورة الفاتحة، وتشير إلى الركائز السبعة التي تقوم عليها الدولة: الوحدة، والحرية، والعدالة، والمساواة، والتسامح، والكرامة، والإنسانية.
هذا التكوين اللوني والرمزي يعكس فلسفة الدولة الأردنية، التي قامت على نهج قيمي وروحي متجذر في الإسلام والعروبة، ومفتوح في ذات الوقت على الحداثة والانفتاح والتعددية.
مظاهر الاحتفال: وحدة شعب تحت راية واحدة
في هذا اليوم، تُنظَّم الاحتفالات الرسمية والشعبية في مختلف المحافظات، وتُرفع الأعلام على المباني الحكومية والخاصة، وتُزين المدارس والجامعات بها. وتحرص وزارة التربية والتعليم على تخصيص فعاليات تثقيفية وتربوية لطلبة المدارس، تتضمن أناشيد وطنية، ومسابقات رسم وكتابة تعبير عن العلم، وورشًا حوارية حول رمزيته ومعانيه.
الجامعات أيضًا لا تغيب عن هذه اللوحة الوطنية، إذ تُنظم الندوات والمحاضرات التي تبرز الدور الرمزي والسياسي والتاريخي للعلم الأردني، وتُعزز من فهم الطلبة للمواطنة الفاعلة والانتماء الإيجابي. وفي الساحات العامة، تُقام العروض العسكرية والموسيقية، وتُرفع الرايات على أعمدة شاهقة تعبيرًا عن العزة والكرامة.
العلم في ثقافات العالم: مقارنات حضارية
تحتفل العديد من دول العالم بأيام مخصصة لأعلامها الوطنية، انطلاقًا من الاعتراف بأهمية الرموز الوطنية في توحيد الشعوب وتعزيز الولاء والانتماء. ففي الولايات المتحدة الأمريكية، يُصادف «يوم العلم» في 14 يونيو من كل عام، إحياءً لذكرى تبني العلم الأمريكي في عام 1777. وتُقام في هذا اليوم احتفالات واسعة تشمل رفع الأعلام على المنازل والمؤسسات، وتنظيم عروض عسكرية ومسيرات شعبية، وإلقاء كلمات تعكس روح الفخر الوطني.
أما في الهند، فإن العلم يحظى بمكانة مقدسة، ويُرفع رسميًا في 26 يناير خلال احتفالات «يوم الجمهورية»، أمام آلاف الحضور وفي بث حي يتابعه الملايين، في مشهد يعكس التعدد والوحدة تحت راية واحدة.
وفي الدانمارك، يُعرف العلم الدانمركي باسم «دانبروغ»، ويُعتقد أنه أقدم علم وطني في العالم. وتحتفل الدنمارك بـ"يوم العلم» في 15 يونيو، حيث تُقام الاحتفالات وتُزين الشرفات والمؤسسات بالأعلام، وتُروى القصص التاريخية المرتبطة بهذا الرمز العريق.
وفي كندا، يُحتفل بـ"يوم العلم الوطني» في 15 فبراير من كل عام، تخليدًا لليوم الذي رُفع فيه علم كندا الحالي لأول مرة عام 1965. يتميز هذا اليوم بإطلاق حملات توعوية حول تاريخ العلم، ويُستخدم لتعليم الأطفال واليافعين رمزية ورقة القيقب الحمراء، التي تُمثل التعددية والوحدة والسلام، وهي من القيم المؤسسة للهوية الكندية.
أما في فرنسا، فرغم عدم وجود يوم وطني رسمي للعلم، إلا أن الراية الثلاثية الزرقاء والبيضاء والحمراء تحضر بقوة في الاحتفالات الوطنية، وعلى رأسها يوم الباستيل (14 يوليو)، الذي يشهد رفع العلم في ساحة الكونكورد، واستعراضًا عسكريًا ضخمًا في جادة الشانزليزيه، حيث يتحول العلم إلى تجسيد لروح الجمهورية الفرنسية وقيم الحرية والإخاء والمساواة.
هذه الأمثلة توضح مدى مركزية العلم في الذاكرة الوطنية للشعوب، وكيف يُستخدم كوسيلة لبناء الهوية وترسيخ القيم والتقاليد.
خصوصية يوم العلم الأردني: مبادرة ملكية لتعزيز الانتماء
ما يُميز يوم العلم الأردني عن غيره من الاحتفالات الوطنية المماثلة هو كونه جاء بمبادرة ملكية حديثة، تهدف إلى إعادة تفعيل الوعي الجمعي بقيمة الرمز الوطني، في زمن باتت فيه الرموز بحاجة إلى إعادة تموضع في وجدان الشباب. فالمبادرة الملكية بتحديد يوم وطني للعلم، ليست فقط عملاً بروتوكوليًا، بل هي رؤية استراتيجية لتعزيز روح المواطنة وتنمية الشعور بالانتماء.
كما أن هذه المناسبة تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تحولات كبرى، ما يزيد من أهمية التمسك بالهوية الوطنية الجامعة، وبالرموز التي تعبّر عنها. فالعلم ليس فقط ما نراه في ساحات المدارس أو على الشرفات، بل هو ما نحمله في القلب من قناعة بوحدة هذا الوطن، وبدوره الحضاري في الإقليم والعالم.
العلم الأردني في المحافل الدولية: رسالة سلام واعتدال
الحضور الأردني في المؤتمرات والمحافل العالمية دائمًا ما يترافق برفع العلم الأردني، رمزًا لدولة تُؤمن بالحوار، وتحمل رسالة اعتدال وسلام. سواء في بعثات الأمم المتحدة، أو المؤتمرات الثقافية والعلمية، أو في البطولات الرياضية، كان العلم حاضرًا بكرامته، حاملاً معه صورة وطنٍ يحترمه العالم.
وفي كل مرة يُرفع فيها علم الأردن خارج حدوده، تُستدعى معه صورة القيادة الهاشمية الحكيمة، والشعب الأردني الأصيل، والتجربة السياسية والاجتماعية المتوازنة، التي شكلت نموذجًا عربيًا في الاستقرار والانفتاح.
راية تظل خفّاقة
يوم العلم الأردني ليس مجرد مناسبة عابرة، بل هو وقفة وعي واعتزاز، يلتقي فيها الماضي بالحاضر، وتتجدد فيها العهود مع الوطن وقيادته. ففي وقتٍ تتعدد فيه الهويات الثقافية وتتداخل، يبقى العلم رمزًا خالدًا للثبات والانتماء، يرفرف عاليًا في سماء الوطن... وفي قلوب أبنائه.
هو راية لا تنحني، بل تزداد علوًا مع كل إنجاز، وتُجدد عهد الأردنيين بالولاء والانتماء، وترسم طريقًا لأجيالٍ ستظل ترفعها بكل فخر، جيلاً بعد جيل.