فيديو

«أبو خليل».. تشبث بالأمل رغم شدة المعاناة

الرأي الإنساني..نافذةٌ للأمل

لم يكن المشهد عاديا عند اقترابنا من الحي.. تداخل غريب بين الطبيعة القاسية والبشر الذين تحدّوا هذه التضاريس القاسية ليصنعوا فيها حياة.. أو ما يشبه الحياة.

الجبال من حولنا ليست سوى كثبان رملية هشة، منحوتة بفعل الزمن، والوديان السحيقة التي تفصل بين هذه المرتفعات، تبدو كأفواهٍ مفتوحة تنتظر سقوط من يقترب منها.

مشهد آسر، على مشارف غور المزرعة، لكنه في الوقت ذاته مخيف.. وبينما نخشى النظر إلى المساكن على حافة هذه الوديان الخطرة، يلهو بها الأطفال معتبرينها وسيلةً للعب رغم خطورتها ووعورة تضاريسها..

فكيف يمكن أن يكون هذا المكان الذي نراه من بعيد موطنا لأحد؟ فلم نتوقع أن يكون هناك من يعيش بالقرب من هذا المكان! لكن من نحن بصدد زيارتهم حقا، يعيشون في قلب هذا المشهد الغريب...

عند مدخل المنزل المتهالك، تحت أشعة شمس الظهيرة، يجلس أبو خليل على كرسيه المتحرك، يرفع رأسه نحو السماء مرة، ويحدّق في الأفق البعيد مرة أخرى، كأنه يبحث عن شيء ما بين الغيوم.. أو لعله يسترجع ذكريات كان فيها واقفا على قدميه، يمشي دون حاجة إلى كرسي أو عكاز.

رجل ستيني، أنهكه الزمن، لكنه لم ينل من روحه بعد، ساقاه لم تعودا جزءًا منه منذ خمس سنوات، بترهما المرض، وبتر معهما جزءًا من حياته، لكنه ظل متشبثا بما تبقى.. بالصبر، بالأمل، وبابنه الصغير أحمد، الذي أصبح عكازه الذي لا يُستغنى عنه.

الابن.. حياة الأب

أحمد الفتى الذي لم يعرف الطفولة كما يعرفها أقرانه، لم يعش كغيره ممن يحملون حقائبهم إلى المدرسة، أو يبحثون عن عمل ليصنعوا مستقبلهم.

حياته كلها هنا، في هذا المنزل الذي بالكاد يُسمى منزلا، في خدمة والده، رفيقه الدائم، اليد التي تطعمه، والقدم التي تدفع كرسيه حيث يريد.

يقضي أحمد يومه متنقلا بين جدران البيت المتهالك، حيث كل شيء ينقصه، حيث لا أساسيات ولا كماليات، حيث البرد في الشتاء والحر في الصيف، لكنه رغم ذلك لم يترك والده يوما، ولم يشتكِ.

ظروف معيشية صعبة

يعيش عبد الرزاق الخنازرة (أبو خليل)، مع ابنه الأصغر أحمد، في منزل متواضع يفتقر لأبسط مقومات الحياة..

قبل سنوات كان يعتمد على عمله في الزراعة لكن مرض السكري غيّر مسار حياته بالكامل، بسبب مضاعفات المرض الذي أفقده ساقيه، ما جعله غير قادر على العمل وتوقفت مصادر دخله تماما.

يقول (أبو خليل) الذي يتلقى 80 دينارا شهريا من المعونة الوطنية، إن هذا المبلغ بالكاد يكفي لتغطية تكاليف علاجه والمواصلات إلى المركز الصحي الذي لا يوفر العلاج اللازم لحالته.

وفي ظل غياب الدعم، يعتمد في تسيير أمور حياته، على أهل الخير الذين يمدونه ببعض الطعام والخبز، بينما يضطر للاستعانة بجيرانه للحصول على المياه والكهرباء.

حلم بسيط

كان يعيش سابقا مع زوجته وأطفاله الستة في غرفة واحدة لكن مع مرور السنوات تزوج أبناؤه، وفقد زوجته التي كانت تعاني من نفس مرضه لتزداد معاناته، كما فقد أيضا ابنته العشرينية التي توفيت مؤخرا.

حلمه اليوم بسيط لكنه أساسي لحياته؛ كرسي كهربائي يساعده على التنقل في المنطقة الجبلية التي يسكنها، وترخيص منزله ليتمكن من إيصال الماء والكهرباء له.

وبينما ينتظر تحقيق هذا الحلم يواصل ابنه وسنده، أحمد، رعايته بكل ما يستطيع، في ظل أوضاع معيشية قاسية تحتاج إلى دعم عاجل ومستمر.

الفقر ضيف لا يرحل

ليس بعيدا عن مأساة أبو خليل، يعيش ابنه الأكبر خليل في منزل آخر، بنفس الفقر، بنفس الحرمان، بنفس القهر.. كأن العائلة كلها كُتب عليها أن تكون ضيفا دائما عند الحاجة، أن تعيش بلا خيارات، بلا أبسط مقومات الحياة.

تؤكد من جهتها سمر زوجة خليل، أن أسرتهم تعيش في ظروف قاسية، التي -بحسبها- تفتقد لأبسط مقومات الحياة الكريمة، وأن زوجها عامل وطن، يعمل منذ ثمانية أشهر براتب 200 دينار، وهو مبلغ لا يكفي لتلبية احتياجات أسرة مكونة من سبعة أفراد.

وتقول سمر: (لا نملك غسالة، وأقوم بغسل الملابس يدويا، كما أننا لا نملك غازا للطهي، فنضطر لاستخدام الحطب، حتى التدفئة نعتمد فيها على الحطب لعدم إمكانية توفير أي وسيلة أخرى».

لا أثاث ولا فرش

ومنزلهم مثل منزل أبي خليل، يكاد يكون خاليا من الأثاث، فلا يوجد مطبخ مجهز ولا حتى فرش مناسب للنوم، كما أن الأسرة تفتقد لوجود حمام داخل المنزل، مما يزيد من معاناتهم اليومية.

أما الأبناء فيواجهون تحديات لاتقل قسوة حيث تروي سمر بحزن: «ابني الأكبر عمره 11 عاما، وهو بالصف الخامس، وابنتي في الصف الثاني، وطفلي الآخر في الروضة، بينما يبقى اثنان آخران في المنزل».

وتضيف: «في بعض الأيام، لا أستطيع حتى توفير الطعام لهم، فيذهبون إلى المدرسة دون مصروف، كما أنهم بحاجة إلى الملابس والحقائب المدرسية».

ورغم كل هذه الظروف، تحاول سمر مساعدة عمها «أبو خليل»، الذي يعيش بالقرب منها مع ابنه أحمد، حيث تتولى تحضير الطعام لهما والقيام ببعض الأعمال المنزلية.

ومع كل ذلك الفقر، وكل تلك الظروف، يبقى أبو خليل جالسا على كرسيه، يترقب المجهول، يقلب كفيه بين الحين والآخر، وينتظر ما ستجود به الأيام.. فهل ستجود؟ أم أن السنين القادمة لن تختلف عن السنوات التي سرقت منه ساقيه، ورفاقه، وحتى أحلامه؟ أم أن صوتَه مبتور كساقيه.. لا صدى له ليُسمَع!

الرأي الإنساني.. نافذةٌ للأمل

تُطلق الرأي خلال هذا الشهر الفضيل، مبادرة إنسانية، تحمل الأمل لمن هم بأمسّ الحاجة إليه.. مبادرةٌ نأمل منها أن تضيء دروب الأسر الفقيرة، والأفراد الذين يعانون ظروفًا صعبة...

مبادرةٌ تسعى لأن تشكل حلقة الوصل بين أصحاب الخير.. وبين من ينتظرون يد العون. وتفتح باب الإحسان أمام القلوب الرحيمة، أسميناها: «الرأي الإنساني.. نافذة للأمل»..

من قلب الميدان.. فريق «الرأي الإنساني» ينقل إليكم قصصًا حقيقية.. مشاهد من الواقع، تعكس آلامًا.. وتحمل طموحاتٍ تنتظر من يُحققها..

نحن هنا.. لنكون جسرًا بين من يحتاج.. ومن يستطيع.

معًا، نستطيع أن نُحدث فرقًا.. معًا، نجعل التكافل الاجتماعي أسلوب حياة.. معًا، نجعل «$ الإنساني» نافذةً للأمل.

انتظرونا كل أحد وثلاثاء وخميس خلال شهر رمضان المبارك.. وكونوا أنتم الخير الذي يُنير حياة الآخرين.

التكافل المجتمعي.. «سراجٌ» يضيء عتمة العيش

في شهر رمضان المبارك، تتجلى معاني التكافل الاجتماعي، ويسعى المحسنون وأصحاب الأيادي البيضاء إلى تلمس حاجات المعوزين والمساكين..

في هذه الأيام الفضيلة، تنتعش مظاهر الخير وتزدهر دروبه، ويظهر العطف والعون بأبدع صورهما بين أفراد المجتمع، وعلى الطرف الآخر يترقب الضعيف وصاحب الحاجة حصته في هذا العطاء..

ونحن هنا نسلط الضوء على بعض الحالات، ليس الكل، ولكل حالة نطرحها، يوجد حالات مماثلة لها، وثمة مشاهد عديدة من أشكال العوَزِ والحرمان، لكننا نطرح هنا مثالا مما وصلنا إليه بالبحث والتحري في سلسلة حلقاتنا هذه..

لأجل ذلك نفتح هذه النافذة، لتكون كمن يدل على الخير، وسعيا إلى تعزيز المسؤولية الاجتماعية، واستنهاض همم المقتدرين والميسورين، وتحفيز مبدأ التكافل الاجتماعي لدى أفراد ومؤسسات المجتمع كافة.

ونأمل أن تكون نافذتنا الإنسانية، بمثاية دعوة لشركات ومؤسسات القطاع الخاص؛ إلى التفاعل الإيجابي مع ما تنشره «الرأي» من قصص إنسانية خلال هذا الشهر الفضيل، الهدف المباشر من نشرها تحقيق ما يتطلع إليه أصحابها من عون وإغاثة.

فالتكافل المجتمعي يسير جنبا إلى جنب، بالتوازي مع ما تقدمه الحكومات، ممثلة بأذرعها ومؤسساتها المعنية في هذا الشأن.

ولا يُقتصر هذا العمل الرعوي في جميع الدول -حتى المقتدرة اقتصاديا منها- على موازنة الدولة فقط، فالشركات ومؤسسات القطاع الخاص، وكذلك الأفراد، شركاء في تدعيم ومساندة مجتمعاتهم..

وفي ظل إتساع دائرة الفقر وقلة الإمكانيات، وعطفا على ضعف الموازنة ومحدودية موارد الدولة، فإن وزارة التنمية الاجتماعية، منفردة، لا قدرة ولا إمكانيات كافية لديها، لتقوم بهذا الدور وحدها..

هنا يأتي دور التكافل الاجتماعي الذي ننشد، فلا مناص عن تعاضد المجتمع بمكوناته ومؤسساته؛ لحمل مسؤولية الإسناد والمؤازرة..

ونذكّر أنفسنا أن الخير يزدهر بالعطاء.. وأن اليد التي تُساعد اليوم، ترسم غدًا أكثر أملًا لمن يحتاج.

فريق العمل: محمـد سـويلم - تــالا أيـوب - محمد الحياني - آيات بكر - محمد القرالة