في حضرة الكرامة، ترتفع الهامات، وتزهو الأرض بمن ضحوا لأجلها، وتبقى الراية مرفوعة عصية على الانكسار، فمن كتبوا هذا المجد نقشوه في وجدان الوطن بدماء الفداء، لتبقى الكرامة عنواناً لا يُمحى، وسيفاً مشرعاً في وجه كل معتد أثيم.
ففي فجرٍ تلفه العزة، وتحت سماء لمعت فيها نجوم العز والمجد، وقفت الأرض تصغي لصليل السيوف وهدير المدافع، إذ خط الجيش العربي الباسل بدمائه الزكية سطوراً من الخلود والعز.
يوم الحادي والعشرين من آذار عام 1968 كان موعداً مع الشرف، وميداناً للبطولة، تلاقى الفرسان والجنود، واصطفت الإرادة في وجه العدو الغاشم، ليكون النصر عنواناً للكرامة، والسيادة تاجاً للأحرار.
جاء العدو معتديا متجبراً، يحمل في جعبته أوهام الغلبة وظنون الانتصار، فتقدم بآلياته ودباباته، وسار بخطى الظلم صوب أرضنا الطاهرة، يظنها لقمة سائغة، لكنه لم يكن يدري أن في ربوعها رجالاً نذروا أرواحهم دفاعاً عن الحق، وأقسموا أن يكون الوطن درّة مصانة، لا تُدنسها أقدام الغزاة.
فما إن أشرقت شمس ذلك اليوم، حتى زمجرت المدافع، وتعالت صيحات الأبطال الله اكبر، وأخذت البنادق تروي قصة العز بلهب النيران.
نعم انه الجيش العربي الصخرة التي تتحطم عليها الأمواج العاتية، قلاعا حصينة لا تُنال، رجال صدقوا العهد، وساروا نحو الشهادة بكل إباء، فسالت دماؤهم لتروي أرض الأردن الطاهرة، وكانت التضحية عنوانهم، والثبات ديدنهم.
حاول العدو بغروره التقدم، وظن أن في وسعه كسر شوكتنا، لكنه وجد نفسه في مواجهة رجال لا يعرفون للانكسار معنى، ولا يهابون الموت إذا كان طريقاً إلى النصر.
لم يكن نصر الكرامة مجرد انتصار عسكري، بل كان ملحمة أعادت للأمة ثقتها بنفسها، وأكدت أن العروبة ما زالت تنبض بالعزة والإباء، وأن الأردن سيظل حصناً منيعاً، لا يُكسر، ولا يُهزم.
في الكرامة، سطر الجيش العربي بمداده الأحمر رسالة للعدو أن الوطن ليس مستباحا وأن الكرامة أغلى من الحياة نفسها.
هكذا كانت الكرامة، نداء مجلجلا في صفحات التاريخ، وشاهداً على أن البطولة لا تُولد من فراغ، بل تُنحت بالتضحيات، وتُحفر في الذاكرة بدماء الأحرار، وسيظل الجيش العربي الأردني رمزاً للفداء، وحصناً للمجد، وسيفا هاشمياً مشرعاً في وجه الطغيان والتمادي، ليبقى الأردن، كما كان، أرض الصمود، ومهد الأبطال، وعنوانا للعزة والكرامة.