الصيام مدرسة إيمانية ورحلة روحية نحو صفاء النفس وسكينتها تعود على الصحة النفسية والعقلية بتأثيرات ايجابية بما يسهم في الحد من المشاعر السلبية وتعزيز ضبط النفس والتحكم بالانفعالات وتوليد القدرة على تحمل ضغوط الحياة ومنغصاتها.
وبرأي مختصون في علم النفس فان لشهر رمضان أفضال على الصائم وذلك بمده بطاقة نفسية كبيره تقوي صلته بربه وتصفي روحه وتهذب نفسه بشكل يجعله طياعا للخير بعيدا عن الشر مما يترك أثرا على طريقة التفكير والتدبر في الأمور.
وقالت استاذه علم النفس /مديرة مركز الملكة رانيا العبد الله للدراسات التربوية والنفسية بجامعة مؤته الدكتورة وجدان الكركي في حديثها ل" الراي"،يحتفل المسلمون بشهر رمضان في كل عام بالصوم والعبادة والتعاطف مع الفقراء وضبط النفس والانفعالات والإكثار من الصدقات والقيام بالأعمال الصالحة مما يسهم في تحقيق التوازن النفسي وتعزيز الصحة النفسية والعقلية من خلال تهذيب النفس وتقوية الصلة الروحية بالخالق سبحانه وتعالى.
واشارت الى ان الصلة الروحية بالخالق تمثل قوة خارقة،فالروح خلق من أعظم مخلوقات الله نسبها لذاته العليا حيث قال تعالى في محكم اياته: "فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين"، فالروح هي هبة الخالق للإنسان، مضيفة انه برأي بعض العلماء فأن الروح إذا دخلت الجسد سميت نفسا، وتبعا لامتزاج الروح بالجسد يتم تصنيف النفس إلى أنواع كما ذكر في القرآن الكريم وهي: النفس الأمارة بالسوء، والنفس اللوامة، والنفس المطمئنة.
وتابعت فالنّفس الأمّارة بالسّوء هي النفس التي تأمر الإنسان بفعل السيّئات والتي أخبر عنها القرآن الكريم في قوله تعالى: " وَمَا أُبَرِّىءُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّيَ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ " (يوسف: 53)، أما النفس اللوّامة فهي كريمة على الله وقد أقسم بها الله تعالى: " وَلَا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ " (القيامة: 2)، وتبرز بها قوة الضمير فتحاسب نفسها وهي نفس متيقظة تقية خائفة، تندم بعد ارتكاب المعاصي والذنوب فتلوم نفسها.
اما النفس المطمئنة فهي النفس المؤمنة التي ارتقت روحيا وقاومت الشهوات والغرائز وحكمت العقل والمنطق وضبطت انفعالاتها، وقد خاطبها الله تعالى بقوله: " يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي " (الفجر: 27 – 30)، فهي نفس متزنة امنة تحس بالاستقرار النفسي والرضا والسعادة و تتفاعل مع الحياة بإيجابية.
وترى الكركي أنه يمكن ان ننظر إلى النفس ككائن حيّ يتطور ويتغيّر و بإمكان الإنسان أن يزكي بنفسه ويرقى بها، أو أن ينحط بها، قال تعالى: " وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاها، فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا " (الشمس: 7 – 10)، فالنفس قد تكون تارة أمّارة بالسوء وتارة لوّامة وتارة مطمئنّة، وهنا موضع مجاهدة النفس وتزكيتها؛ فالانسان هو صاحب الإرادة وهو من يقرر قيادة هذه النفس وتشكيلها.
واوضحت ان الصيام يقوي صلة الإنسان بخالقة فتزداد قوة التحكم بالنفس وضبط الغرائز والشهوات والسلوك والانفعالات،محررا لها من الحاجات الجسدية مرتقيا بها عقليا وسلوكيا وروحيا محققا الاطمئنان النفسي خاصة عندما يتزامن ذلك مع ذكر الله والقيام بالعبادات من صيام وقيام وتلاوة القرآن الكريم مما يعزز إفراز النواقل العصبية التي تساعد على الاسترخاء والهدوء والشعور بالرضا والسعادة وتحسين المزاج وتحد من القلق والتوتر.
وعلى الصعيد النفسجسدي تشير الكركي الى ان الجسد وعاء النفس ومن هنا تؤكد الدراسات ان الصيام يسهم في تخليص الجسم من السموم بما وتجديد خلايا الجسم بما يدعم الصحة الجسمية التي تنعكس على الصحة العقلية والنفسية فيتحسن نشاط الإنسان ولياقته وانتباهه وذاكرته فالجسد وعاء النفس.
ولفتت الى ان انتصار الإنسان على نفسه بصيامه عدة ساعات يحقق له عند الإفطار السعادة والشعور بالانجاز والقدرة على ضبط الذات ويعلم الإنسان أن الصبر وضبط النفس وسيلة لتحقيق الأهداف في الحياة مما يعزز الثقة بالنفس ويعالج الشعور بالنقص والدونية وهي -كما قالت - احد أهم أسباب الاضطرابات النفسية.
وبينت ان الصيام يعلم التسامح وضبط اللسان والانفعالات التي لها انعكاسات إيجابيه على صحة الإنسان العقلية والنفسية حيث أن ضبط الانفعال والتسامح يخفف من الضغوط النفسية التي يعاني منها الإنسان أو يسببها لمن حوله، ويسهم التخفيف من الضغوط النفسية في الحماية من الأمراض السيكوسوماتية ( الجسدية نفسية المنشأ ).
وعلى الصعيد النفس اجتماعي تقول الكركي ان الدراسات النفسية تشير الى أن العلاقات الاجتماعية الإيجابية في رمضان تسهم في التخفيف من الشعور بالحزن والقلق والتوتر والاكتئاب، كما ان اكثار الصائم من الصدقات وصلة الأرحام وفعل الخيرات تجعل الدماغ يفرز موادا كيميائية ونواقل عصبية تسبب السعادة.
