في ظل الخلافة العباسية التي تأسست عام 750م، شهد العرب طفرة علمية وثقافية هائلة، حيث انتقلت عاصمة الخلافة والفتوحات من دمشق الأموية، دمشق الفتوحات، إلى بغداد التي أصبحت مركزاً علمياً وفكرياً مهماً. هذه الفترة تُعرف بالعصر الذهبي للحضارة الإسلامية. ففي القرنين الثامن والتاسع الميلادي، كانت الحضارة العربية الإسلامية في تصعد حضاريا، حيث شهدت المنطقة الإسلامية تطوراً كبيراً في مجالات العلم والفكر والثقافة، وظهر أطباء ومترجمين وعلماء؛ أطباء مثل: حنين بن إسحق، وابن سهل الطبري، وثابت بن قرة، وأبي بكر الرازي، والرهاوي؛ وعلماء مثل: جابر بن حيان، والخوارزمي، وأبناء موسى بن شاكر، في وقت كانت فيه العديد من الحضارات العالمية تمر بتحولات أو تعيش في مراحل مختلفة من التخلف والبدائية والتراجع.
باستثناء حضارات الهند والصين وبيزنطة ووسط أميركا وجنوبها، كانت الحضارات الأخرى متخلفة. ففي أمريكا الوسطى، كانت حضارة المايا في أوجها، وحققت إنجازات كبيرة في الرياضيات والفلك والهندسة. كما كانت مدن مثل: تيكال وكوبان مزدهرة. أما في أمريكا الجنوبية، فقد كانت حضارة موتشي في بيرو مزدهرة، وظهرت مستوطنات زراعية متقدمة. ولكن في أمريكا الشمالية كانت هناك شعوب أصلية، مثل الهوبي والبويبلو، الذين عاشوا في مجتمعات زراعية أو بدوية، ولكن لم يكن هناك حضارات كبرى متطورة كما هو الحال في أميركا الوسطى. وفي اليابان، كان القرن الثامن فترة تمثل بداية تكوين الدولة اليابانية الحديثة. أما في أوروبا الغربية، كانت العصور المظلمة تهيمن على معظم أنحاء القارة. فبعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية في القرن الخامس الميلادي، كانت أوروبا منقسمة إلى ممالك صغيرة، ومرت بحالة من التدهور الثقافي والعلمي مقارنة بالعصور السابقة. ولكن مع نهاية القرن الثامن الميلادي، بدأ شارلمان (شارل العظيم) يؤسس الإمبراطورية الكارولنجية، التي سعت إلى توحيد أجزاء من أوروبا الغربية، بما في ذلك معظم ما يُعرف اليوم بفرنسا وألمانيا وإيطاليا، الأمر الذي مهد الطريق لنهضة أوروبية لاحقة. بدءا من إيطاليا في القرن الرابع عشر. كما دعمت الإمبراطورية الكارولنجية نوعًا من النهضة الثقافية والعلمية، تُعرف باسم «النهضة الكارولنجية»، حيث حاول شارلمان إحياء التعليم والتعلم الكلاسيكي من خلال دعم الأديرة والمدارس. وفي القرن الثامن الميلادي، كانت كل من أستراليا وأمريكا وروسيا في مراحل تطورية مختلفة عما كان يجري في العالم العربي الإسلامي وأوروبا والصين. في تلك الفترة لم تكن هناك حضارات معروفة على نطاق واسع في أستراليا. السكان الأصليون، المعروفون باسم الأبورجينيز، كانوا يعيشون في مجتمعات بدوية وشبه بدوية، تعتمد على الصيد وجمع الثمار. كان لديهم ثقافة شفوية غنية وتقاليد عميقة مرتبطة بالأرض، لكنهم لم يطوروا نظم دولة مركزية أو كتابات موثقة. وفي القرن نفسه، كانت الأراضي الروسية الحديثة مأهولة بالشعوب السلافية التي عاشت في مجتمعات زراعية غير موحدة، وكانت المنطقة تشهد تفاعلاً كبيرًا مع القبائل البدوية مثل الخزر والفايكنغ الذين كانوا يبحرون عبر الأنهر الرئيسية للتجارة وأسسوا محطات استيطانية وتجارية. تفاعلهم مع السلاف أدى إلى توحيد بعض القبائل السلافية تحت حكمهم. في هذه الفترة، كانت مقاطعة الخزر، وهي قبيلة تركية اعتنقت اليهودية، وهم أصول اليهود الشرقيين (أشكناز) ولا علاقة لهم بفلسطين، سيطرت على السهوب الجنوبية ولعبت دورًا اقتصاديًا مهمًا من خلال التجارة. بحلول نهاية القرن التاسع، بدأت تتشكل دولة «كييف روس»، التي تعد النواة الأولى للدولة الروسية. أسس الفايكنغ من أسرة رواريك حكومة في نوفغورود، ثم توسعوا جنوبًا نحو كييف، مما جعلها عاصمة لهم. كييف روس أصبحت قوة مهمة في المنطقة، ووحدت القبائل السلافية. في عام 988م، اعتنقت كييف روس المسيحية الأرثوذكسية، مما عزز الروابط الثقافية مع الإمبراطورية البيزنطية. إذ كانت التجارة محورية في تشكيل هذه الدولة، حيث لعبت دورًا رئيسيًا في ربط كييف روس بالعالم الخارجي. فمع القرن الثامن الميلادي كان عصر ازدهار وتلاقح ثقافي كبير بين العديد من الحضارات، وعلى الرغم من الاختلافات في المراحل التي كانت تمر بها هذه الحضارات، فإن العرب والمسلمين لعبوا دوراً محورياً في نقل المعرفة بين الشرق والغرب، وترجمة إنتاج الإغريق، وبداية العلوم التجريبية والتخلص من الأساطير في العلم، وذلك في وقت كانت فيه حضارات مثل الصين والبيزنطيين والهنود تواصل تطورها بطرق مختلفة، ولكن في وقت كانت أوروبا والعديد من دول العالم المعاصر يرزحون في العصور الوسطى الظلامية، أو في عصور ما قبل التاريخ. أنتجت حضارتنا في ذلك القرن المبكّر من تاريخ الحضارة الظلامية في أوروبا، علماء مثل الخوارزمي: عالم الرياضيات، ومؤسس الجبر، وأساس الثورة الرقمية اليوم، وجابر بن حيان الكيميائي، مؤسس العلوم التجريبية، وأبناء موسى بن شاكر الثلاثة الذين أبدعوا في هندسة الميكانيك والرابوطيات، وغيرهم. ولكن للأسف فقد انقلب السحر على الساحر، ويبدو أننا لم نتعلم من تجارب التاريخ.
