جهود ملكية واضحة في وقف الحرب على غزة
قال الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط السفير ناصر كامل إن دور الأردن محوري في التطورات الجيوسياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالوضع في غزة؛ حيث قاد مبادرات وجهود وساطة تسعى إلى تحقيق سلام دائم.
وبين السفير كامل في حوار مع الرأي أن الاردن وبقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين يقود جهودا جبارة لوقف الحرب الدائرة في غزة، واعادة إطلاق مسار السلام، مشيدا بجهود جلالته والاردن السياسية والدبلوماسية في هذا الإطار.
واضاف ان للأردن مصلحة أخلاقية وتاريخية وجيوسياسية وأمنية واقتصادية في انهاء الصراع، تحمّل الأردن مسؤوليته تجاه أهالي قطاع غزة، وحذّر من خطورة إفراغ الأرض من سكانها، ورفض التهجير القسري، ويلعب دورا هاما في مسعى إنهاء الصراع والتوصل إلى تسوية عادلة للقضية الفلسطينية على أساس حل الدولتين.
وبين السفير كامل «إننا نواجه واحدة من أصعب وأشد الأوقات قتامة في الصراع العربي الإسرائيلي. إننا نمر بمأساة إنسانية لم نشهدها منذ الحرب العالمية الثانية، أو على الأقل لم أشهد مثلها خلال أربعة عقود من عملي الدبلوماسي كنت شاهدا خلالها على صراعات وأزمات لم ترتق لمثل ما يحدث اليوم. ولذلك نرى تحقيقا على أعلى مستوى تقوده المحكمة الجنائية الدولية بشأن اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية في غزة، والقضية التي تنظرها محكمة العدل الدولية فيما إذا كان الوضع يرتقي إلى إبادة جماعية ضد الفلسطينيين.
ورحب السفير كامل بوقف إطلاق النار في لبنان، وإن كان هشا، مؤكدا أن الاتحاد يريد أيضا دخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما يأمل أن يؤدي مرحلة ما بعد الأزمة إلى حل سياسي شامل وعادل يضمن السلام والأمن لكل من إسرائيل والدولة الفلسطينية. إن التعايش في إطار الدولتين هو الحل الوحيد الذي سيضمن أمن إسرائيل وحق الفلسطينيين في تقرير المصير.
واكد أن ما يحدث في غزة يقود إلى التفكير في دور الاتحاد من أجل المتوسط في بناء سلام عادل وطويل الأمد لهاتين الدولتين المستقلتين، على أساس تعزيز المشاريع والمبادرات الملموسة التي من شأنها أن تساعد في تعزيز هذا السلام. إن الاتحاد من أجل المتوسط، كإطار إقليمي، يمكن، بل ينبغي، أن يكون حجر الزاوية في تشكيل مستقبل مزدهر للمنطقة.
وأضاف » إننا لسنا منظمة مساعدات إنسانية؛ بل نركز حاليا على الدور الذي يمكن أن نقوم به في مرحلة التعافي المبكر بمجرد التوصل إلى وقف إطلاق النار وتطوير إطار مواتٍ لإعادة إعمار غزة يساهم في تعزيز قدرة إدارة مدنية فلسطينية».
وقال » نعمل مع اتحاد الجامعات المتوسطية، فضلا عن جامعات فلسطينية وشركاء ماليين، لإطلاق مبادرة من شأنها أن تسمح لطلاب التعليم العالي الفلسطينيين بإنهاء دراستهم عبر الإنترنت. كما نستكشف مبادرات أخرى يمكن تنفيذها في غزة في مجالات مثل التوظيف، والتنمية الحضرية، والقطاع التكاملي للمياه والغذاء والطاقة، وغيرها من المجالات الاستراتيجية للتعافي وإعادة التأهيل وإعادة الإعمار.
وبين كامل أن للأردن دورا حيويا في المنطقة الأورومتوسطية؛ حيث يتولى الرئاسة المشتركة للاتحاد من أجل المتوسط منذ عام 2012، جنبًا إلى جنب مع الاتحاد الأوروبي، مضيفاً «لدينا تعاون وثيق مع الأردن في جميع المجالات ذات الأولوية المشتركة مثل الطاقة، والعمل المناخي، والإدماج الاجتماعي وقضايا النوع الاجتماعي، والتعليم العالي والبحث العلمي، مما يعكس الموقع الاستراتيجي للأردن في المنطقة.
وأشار ان الأردن واحد من ثلاثة بلاد ستستفيد في المرحلة الأولى من مبادرة الشراكة المتوسطية الزرقاء؛ حيث سيتلقى تمويلا لعدد من المشاريع في مجال الاقتصاد الأزرق المستدام التي من المقرر الكشف عنها العام المقبل.
وفي العام الماضي، استضاف الأردن المؤتمر الأورومتوسطي الثاني حول الإدماج الاجتماعي والاقتصادي للأشخاص ذوي الإعاقة، مما يسهم في أن يكون لدينا أجندة إقليمية بشأن هذه القضية الهامة.
معتبرا إن هذه ليست سوى أمثلة قليلة على العديد من المساعي المشتركة التي يطلقها الاتحاد كل عام مع الأردن، والتي تتوافق مع المهمة الأوسع للاتحاد من أجل المتوسط في تعزيز التعاون والتكامل الأورومتوسطي.
وشدد على ان الاتحاد من أجل المتوسط يعمل بنشاط على تعزيز أنظمة التعليم العالي والتركيز على المشاريع الموجهة للشباب. وقد دعم بالفعل إنشاء جامعتين أورو متوسطتين ببيران في سلوفينيا وفاس في المغرب.
وفيما يتعلق بالأردن، قال كامل إننا نتعاون مع مكاتب شبكة طلاب «إيراسموس» في البلاد، والتي تشارك كمراقب في شبكة نقاط الاتصال الوطنية، وهي مجتمع عبر الإنترنت مخصص لتعزيز الاستفادة من برنامج «إيراسموس+» حول العالم. ومن المقرر أن تشارك الأردن في اجتماع نقاط الاتصال الوطنية الذي سيعقد في أبريل 2025 للتباحث، من بين أمور أخرى، بشأن تأثير برنامج «إيراسموس+» في دول جنوب وشرق البحر المتوسط.
وأشار إلى أن 9 جامعات أردنية، بما في ذلك الجامعة الأردنية، هي جزء من اتحاد الجامعات المتوسطية التي أشرت إليها من قبل، وهي شبكة من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي التي يدعمها الاتحاد من أجل المتوسط والتي تعزز التعاون الأكاديمي في المنطقة الأورومتوسطية.
كما يدعم الاتحاد، الشبكة المتوسطية للفرصة الجديدة MedNC والتي تضم عضوا نشطا في الأردن، وهي شركة سيلا غير الربحية التي تدرب أعضاء المجتمع المحلي على الحفاظ على المواقع التراثية مثل البترا.
واعتبر أن منطقة البحر المتوسط هي نقطة ساخنة لتغير المناخ؛ حيث ترتفع درجة الحرارة فيها بمعدل أسرع بنسبة 20٪ من المتوسط العالمي. وبالتالي، فإن تجاهل معالجة تلك القضية الحيوية يتخطى كونه أمر غير مسؤول.
وفي هذا الإطار، قدمت الشبكة في مؤتمر «كوب 29» في باكو تقريرين يضمان أحدث النتائج حول تأثيرات التغير المناخي والبيئي على المناطق الساحلية والترابط بين المياه والطاقة والغذاء والنظم البيئية. الخلاصة الأساسية من التقريرين والتي يتعين التركيز عليها هي تحذير الخبراء من أن جهود التخفيف من آثار تغير المناخ والتكيف معه غير كافية لمستقبل قابل للعيش. نحن نتحدث هنا عن قابلية العيش، وليس حتى التكيف مع تداعيات تغير المناخ.
وبين أن الاتحاد يعمل أيضا من خلال عبر الشراكة المتوسطية الزرقاء على تسريع الاستثمارات في الاقتصاد الأزرق الذي يتمتع بإمكانات كبيرة لتعزيز النمو الاقتصادي والاستدامة في حوض البحر المتوسط. وتأكيدا لقوتنا الجامعة للأطراف المعنية، استضاف الاتحاد الجهات المانحة ومؤسسات التمويل والشركاء المنفذين والبلدان المستفيدة؛ حيث تم تحديد العديد من الاستثمارات المستدامة في الاقتصاد الأزرق في ثلاث دول مبدئيا، وهي الأردن والمغرب ومصر. ومن المقرر الإعلان عن المشاريع التي ستتلقى هذه التمويلات خلال العام المقبل.
وبين أن الاتحاد من أجل المتوسط استجاب للأزمات الاقتصادية في المنطقة، بإطلاق مخططات منح ومشاريع لتعزيز ريادة الأعمال وفرص العمل أثناء وبعد جائحة كوفيد-19، وتخفيف آثارها الاجتماعية والاقتصادية.
كما ساعدت مبادرة Med4Jobs في زيادة توظيف الشباب والنساء، وهي مهمة لأنها بمثابة نموذج لما يمكن أن تفعله بلدان المنطقة التي لديها مستويات مرتفعة من البطالة للتعامل مع هذه القضية.
وفي الأردن على وجه التحديد، كان للاتحاد مشروع ضمن تلك المبادرة يسمى مهارات لتدريب الطلاب ليكونوا جاهزين لسوق العمل ومساعدتهم على بدء أعمالهم الخاصة. وقد تم الترويج لهذا المشروع من قبل مركز تطوير الأعمال في الأردن.
وبين أنه على الرغم من السياقات الإقليمية والدولية الصعبة، فقد أثبت الاتحاد نفسه كإطار مؤسسي متعدد الأطراف رائد للحوار والتعاون في المنطقة الأورومتوسطية، وذلك خلال خمسة عشر عاما فقط هي عمر الاتحاد من أجل المتوسط.
وأشار إلى أن الأمانة العامة تعمل أيضا على مسار لإصلاح الاتحاد من أجل المتوسط لتعزيز آلياته وجهوده لمجابهة التحديات المتزايدة في المنطقة، بتعاون وثيق مع الرئاسة المشتركة من الأردن والاتحاد الأوروبي، وأيضا مع الدول الأعضاء. يستهدف جزء رئيسي من عملية الإصلاح تقوية التعاون الإقليمي ليس فقط بين الدول، بل وأيضا مع الشركاء الإقليميين وأصحاب المصلحة الآخرين. وسنعقد في هذا السياق مشاورات مفتوحة من خلال مجموعة من الأنشطة في عام 2025، والذي يمثل عاما مهما لتأكيد الشراكة المتوسطية بمناسبة مرور ثلاثين عاما على عملية ?رشلونة.
وقال إن التحدي الأساسي الذي يتعامل معه الاتحاد هو تغير المناخ، وهو ربما التهديد الوجودي الأكثر خطورة الذي يواجه مستقبل حوض البحر المتوسط. فكما أشرت من قبل، حذر الخبراء من أن الجهود الحالية لمجابهة تلك الظاهرة غير كافية لمستقبل صالح للعيش.
إضافة إلى المناخ، لا يزال التكامل الاقتصادي بين شمال وجنوب البحر المتوسط غير كاف إلى حد كبير، كما تتسع الفجوة الاقتصادية بين الجانبين؛ حيث يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي ستة أضعاف في الاتحاد الأوروبي مقارنة بجيرانه الجنوبيين. يفاقم هذا الوضع مستويات الهشاشة الاجتماعية في المنطقة، والتي لن تزداد إلا سوءا ما لم نتخذ الإجراءات الملائمة، خاصة إذا وضعنا في الاعتبار التفاوتات الديمجرافية بين شمال المتوسط، وجنوبه وشرقه.
كما تشهد المنطقة توترات متزايدة؛ حيث تؤثر الصراعات المستمرة وعدم الاستقرار السياسي على الأمن الإقليمي وتؤدي إلى تفاقم الأزمات الإنسانية. وتظل الجهود المبذولة من أجل السلام والاستقرار صعبة وسط ديناميكيات جيوسياسية معقدة. وفي هذا السياق، يظل السلام والاستقرار في منطقة البحر المتوسط الهدف الرئيسي لدولنا الأعضاء.