دمشق في عيون أردنية.. الاستثمار في سوريا المستقرة
12:07 15-12-2024
آخر تعديل :
الأحد
<p>منعت قوات الأمن السورية تواجد صور حسن نصر الله بعد اغتياله، وأزالتها من السيارات التي ألصقتها أو علقتها في العاصمة دمشق وغير من المدن، في أوضح مؤشر في ذلك الوقت للنأي بالنفس على التصعيد الدائر بين الحزب، ومن ورائه إيران، وبين الجانب الإسرائيلي، وانصب اهتمام النظام السوري في الأسابيع التالية على فرص استعادة مكانه في المجموعة العربية، لأن النظام كان منتهيًا من الناحية العملية نتيجة التدهور الكبير في الأوضاع القياسية بما يجعل الموارد الشحيحة المتاحة غير قادرة عن تحقيق استمرارية الدولة.</p><p>كما هي مشكلة الرئيس السابق بشار الأسد على الدوام، والنمط السياسي السوري غير الحداثي في بنيته وخطابه، ساد الاعتقاد بأنه يمتلك كل الوقت من أجل عملية إعادة التمركز، والتخلص من الفواتير الإيرانية الباهظة، خاصة أن صفقة روسية – أميركية حول أوكرانيا أصبحت محتملة بعد فوز دونالد ترامب بالانتخابات الأميركية في مطلع تشرين ثاني.</p><p>استطالت جهود التعويم طويلًا، وكان الرئيس الأسد يحاول المحافظة على مكتسباته ومصالح المقربين منه، وأدى التأرجح الطويل إلى بقائه وراء الأحداث، وعدم قدرته على مواكبتها، وبالتالي، كان أمام الفصائل العسكرية فرصة ربما أخيرة لتخرج لتحقيق هدف واضح، ولا يمكن القول بطبيعة الحال، أنه إسقاط النظام، الذي أتى مفاجئًا للجميع، ولكن السيطرة على محافظات مهمة مثل حلب وحماة، بما يعادل مناطق تسيطر عليها الفصائل الكردية، وبحيث تبقى الشام في حوزة الأسد، أو تحدث خلخلة كبيرة في داخلها، فينهار النظام من تلقاء نفسه.</p><p>قراءة الوضع السوري من الناحية الاقتصادية، والرؤية الإيرانية – الروسية الجديدة، كانت تدلل على أن النظام آيل للسقوط فعلًا، وأتى تقدم فصائل المقاومة مترافقًا بانسحابات للجيش السوري تصور الجميع أنها ستسعى لتطويق وتحصين العاصمة، لتكون المعركة الكبرى حول دمشق، وهي معركة كان يفترض أن تكون شرسة وطويلة، ولكن فجأة يغادر الرئيس الأسد من غير أن يقوم بإصدار أية أوامر للجيش السوري، أو ترتيبات للسطة في دمشق، ويدخل المسلحون المدينة في ظل فراغ هائل.</p><p>سقط النظام، ولا يبدو أن الإيرانيين أو الروس نادمون على قرارهم تجاهه، كما ويأتي ذلك متسقًا مع نوايا البلدين بعيدة المدى للتعامل مع التحديات في المنطقة، والأتراك، حسب تصريحات وزير خارجيتهم هاكان فيدان، هم الطرف الذي أقنع طهران وموسكو بعدم منح الأسد أي فرصة أخرى، وتركه وحيدًا، ويعني ذلك، وجود ضمانة تركية للمصالح المهمة للبلدين في سوريا.</p><p>ماذا عنا في الأردن في ظل الصورة القائمة حاليًأ، والاحتمالات المرشحة للتفاعل في المستقبل القريب؟</p><p>مبدئيًا، كان الأردن جزءًا من الجهود التي عملت على إعادة تعويم النظام السوري، ليس من أجل النظام نفسه، أو على سبيل أي مكافأة لبشار الأسد ورجاله، ولكن لأن الحلول كانت محدودة، والأردن يسعى إلى حل سياسي في سوريا يمكن من استعادة الدولة لوظائفها، والتخفيف عن الضغط القائم من تواجد الميليشيات في الجنوب، وملفات أمنية متشابكة، من أكثرها خطورة تجارة المخدرات التي أرهقت الأردن على مدى سنوات طويلة، ولكن النظام السوري بقي متمسكًا بسياسات المماطلة والتسويف، والعيش داخل حالة الإنكار، مما أدى إلى إحباط أردني عميق، أدى بعمان?إلى الاكتفاء بالمراقبة أحيانًا، وفي أحيان أخرى، التواصل مع الإيرانيين على أساس أن الأسد، كما يزعم، ليست له الكلمة في الجنوب السوري، وهو الأمر الذي لم يكن سوى التذرع المتهافت لتجنب فقدان أحد الشرايين الاقتصادية لنظام الأسد.</p><p>حاليًا، تواجه الأردن مجموعة من الأسئلة الملحة، وكلها تتعلق بشكل الحكم في سوريا ونواياه، والأهم، قدرته على إدارة البلاد، وعدم التورط من جديد في حلقة من الفوضى تتجاوز بمخاطرها كل ما حدث في السنوات الماضية، فعلى الرغم من أن هيئة تحرير الشام تتخذ خطوات تطمينية كثيرة، وتعلن عدم رغبتها في إعادة صياغة المجتمع على مقاييسها ومعاييرها، أو إشاعة الانتقام في سوريا من جديد، إلا أن ذلك يتطلب التيقن من قدرة قائد الهيئة أبو محمد الجولاني أو أحمد الشرع مؤخرًا، على ضبط المقاتلين، وعلى قدرته في فرز المتطرفين الذين يمكن أنهم ?زحوا من تنظيمات أكثر تطرفًا مثل تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إلى الهيئة، بالإضافة إلى ذلك تصوراته حول الملف الكردي، خاصة أنه ليس قرارًا سوريًا بالكامل، لوجود العلاقة الوثيقة مع تركيا.</p><p>بخصوص إحداثيات التشدد والتطرف القائمة والخوف من استعادة نظام مشابه للدولة الإسلامية، فالأساسي هو وجود تصور حول الوضع في إدلب التي كانت مركزًا للفصائل الإسلامية، خلال السنوات الأخيرة، طرق الحياة وأنماطها، وهذه مسألة متاحة للتحليل المعلوماتي الدقيق، لبناء توقعات لتوجهات الرياح في المرحلة المقبلة، والأكثر أهمية، متابعة القرارات التنظيمية فيما يتعلق بالمؤسسات وإعادة بنائها، على الرغم من أن تشكيل حكومة واضحة في إعلان ذاتها إسلاميًا في رموزها وأشخاصها، أمر يستدعي التمهل حول إمكانية تحقيق الدمج الذي يعني تمثيلًا ?اسعًا للسوريين عرقيًا ودينيًا وطائفيًا واجتماعيًا.</p><p>على المستوى الأوسع، يبدو أن الملف السوري ينتقل بثقله من طهران إلى أنقرة، والعلاقات الأردنية – التركية متميزة على أكثر من مستوى، ويبدو أن بعض الخطوات التي اتخذت سابقًا من جانب القيادة الأردنية في ملفات مختلفة، وبعيدة أحيانًا عن الملف السوري، ستجعل التواصل مريحًا مع الأتراك، خلافًا لما كان عليه مع الإيرانيين خلال السنوات السابقة، ومن البراءة السياسية غير اللائقة أن تتناسى أو تتجاهل عمان رغبة أنقرة في رسملة دعمها المتواصل للفصائل المسلحة التي دخلت دمشق وهي خاوية على عروشها، ومتعطشة لوجود حراك لاستعادة وتيرة ح?اة طبيعية داخلها.</p><p>اقتصاديًا، للوضع السوري الجديد مزاياه وسلبياته تجاه الأردن، والخروج بالأفضل هو مسألة تقنية تختص بها الحكومة من خلال سياساتها وقرارتها، ومن أهمها بطبيعة الحال إدارة ملف عودة اللاجئين، والنظر في المشاريع المشتركة المحتملة مع الأشقاء في سوريا، ويبقى من الضروري أيضًا تفهم طبيعة السياسات المحتملة من دمشق، وهذه قصة لا تنفصل عن القراءة العامة الضرورية للآفاق المقبلة التي ستتبدى خلال الأسابيع المقبلة وتحدد طبيعة رؤيتها الاقتصادية وأولوية الشراكات التي ستضعها، وإن كان يبدو منطقيًا، أن الأردن وتركيا هما الخياران الأ?ضل في ظل الأفق السياسي القائم.</p><p>سوريا القوية والآمنة والمستقرة، كانت دائمًا مصلحة أردنية، وأية مواقف أردنية، تعتبر استثمارًا في المستقبل، بعد سنوات من التأزم التي رافقت الوقائع المؤسفة التي جرت في سوريا الشقيقة.</p>