ينادي «أبو معتز» على ابنه عدة مرات، وكل مرة تعلو نبرة صوته أكثر، دون أن يلقى أية استجابة، ليضطر في النهاية إلى التوجه لغرفة ابنه، متحملا انزعاجه من الصراخ الناتج عن الألعاب التي كان يلعبها. يلوّح الأب بيديه لجذب انتباهه، فيخلع الابن سماعاته عن أذنيه، ليتمكن أخيراً من سماع والده.
لا يقتصر هذا الحال على الابن فقط، بل يمتد إلى الابنة التي تستعين بسماعات «بلوتوث» لتتنقل داخل اللعبة عبر هاتفها المحمول، متجاهلة كل ما يحدث حولها.
مشهد يتكرر داخل منازل العديد من العائلات، التي ينشغل أفرادها بالألعاب الإلكترونية، إذ يدخلون عالم الواقع الافتراضي، سواء بحواسيبهم أو هواتفهم المحمولة أو نظارات VR، متناسيين محيطهم، وبالرغم من اختلاف الأدوات المستخدمة، إلا أن النتيجة واحدة وهو انفصالهم عن واقعهم.
التأثيرات الاجتماعية للألعاب الإلكترونية من جانبها، توضح رئيسة قسم علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، الدكتورة ميساء الرواشدة، أن الألعاب الإلكترونية أصبحت جزءًا من الحياة اليومية للكثير من الأفراد، حيث يمارسها البعض بشكل روتيني عند شعورهم بالملل أو الوحدة.
وتذكر في تصريحها إلى «الرأي» أنه وبالرغم من المتعة التي تحققها الألعاب، للأفراد خصوصا الرجال والشباب، إلا أن لها آثارا سلبية تتمثل بانخفاض تفاعل الفرد مع محيطه الاجتماعي وضعف التواصل مع الآخرين في الأسرة.
وتعزو السبب إلى التركيز الشديد، واستمرارية اللعب لساعات طويلة، ما يؤدي إلى التوتر والغضب، خاصة مع الألعاب التي تتسم بالإثارة والعنف. وأضافت أن تأثير هذه الألعاب على العلاقات الزوجية والأبناء يعتمد على طريقة إدارتها واستخدامها.
وفصّلت الدكتورة الرواشدة فيما يتعلق بعلاقة الزوجين «يمكن أن تكون وسيلة للتقارب العاطفي إذا مورست بشكل مشترك ومعتدل، حيث تسهم في تقليل التوتر وتعزيز التواصل».
لكنها حذرت من أن تجاوز الحدود قد يؤدي إلى الإدمان وإهمال الطرف الآخر، ما يخلق صراعات في العلاقة، خاصة إذا شعر أحد الشريكين بأن الألعاب تحتل مكانة أكبر من الأسرة أما تأثيرها على الأبناء، تبين الدكتورة الرواشدة أنه يمكن أن تكون أداة تعليمية فعالة لتطوير المهارات الإبداع والتعاون. ومع ذلك، إذا كان أحد الوالدين مدمنًا على الألعاب أو يختار الألعاب غير المناسبة، قد يتأثر الأبناء سلبًا.
وتكمل أن القدوة السلبية تؤدي إلى تقليد النمط السلوكي، وقد تؤدي بعض الألعاب العنيفة إلى تعزيز السلوك العدواني أو الانعزالية لدى الأطفال، ما يضعف لديهم مهارات التواصل الاجتماعي.
وتذكر أنه لنخفف من الآثار السلبية للألعاب الإلكترونية، لا بد من إدارة التحديات المتعلقة بها، لذا ينصح بتخصيص وقت محدد للألعاب لتجنب الإدمان وإهمال الواجبات اليومية والعلاقات الاسرية.
وتضيف أن مشاركة أفراد العائلة باللعب لتصبح الألعاب الإلكترونية أحد الألعاب الجماعية تهدف إلى تقوية الروابط الأسرية. مشددة على ضرورة اختيار الألعاب المناسبة التي تضمن توافق الألعاب مع القيم الأسرية وأعمار الأبناء.
وتشير الدكتورة الرواشدة إلى أن الألعاب الإلكترونية قد تسهم في تعزيز التواصل بين أفراد الأسرة وتفتح قنوات الحوار بين أفرادها أثناء عملية اللعب. مشددة على ضرورة إدراك أن التوازن في استخدام الألعاب الإلكترونية هو مفتاح الحفاظ على العلاقات الأسرية وتعزيز الأدوار الاجتماعية للأبوين في بناء أسرة متماسكة ومتوازنة.
وتلفت إلى أن الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية قد يؤدي إلى آثار اجتماعية سلبية، منها ضعف العلاقات الاجتماعية، والتأثير على الأداء المهني أو الدراسي، وتراجع المهارات الاجتماعية، ويضعف القدرة على التواصل الفعّال مع الآخرين، خاصة عند الأطفال.
وتنصح أن يتم التعامل مع الإفراط في ممارسة الألعاب الإلكترونية، عبر تنظيم الوقت وتحديد وقت محدد للألعاب يومياً، والتوازن بين ممارسة أنشطة بدنية واجتماعية بجانب الألعاب، والمراقبة عبر متابعة نوعية الألعاب وملاءمتها لعمر الفرد، خاصة للأطفال، وطلب المساعدة، وذلك في حالات الإدمان الشديد، يمكن استشارة مختص نفسي أو اجتماعي.
الآثار النفسية للألعاب الالكترونية يؤكد استشاري الطب النفسي والإدمان، الدكتور عبد الرحمن مزهر، أن الألعاب الإلكترونية قد تسبب الإدمان فقد صُنفت التكنولوجيا (ومن ضمنها الألعاب الإلكترونية) في التصنيف العالمي للأمراض النفسية الأمريكي الخامس، كنوع من الإدمان.
ويذكر في حديثه إلى «الرأي» أن الناس يجعلون التكنولوجيا والألعاب الالكترونية متنفسا لهم، ما يدخل البعض منهم عالم الإدمان دون علماً منهم، وإنكار ذلك بعد مشكلة كبيرة. لافتا إلى أن أعراض الإدمان التكنولوجي مشابهة جداً لأعراض إدمان مواد أخرى وهي مرتبطة بالمتعة وهذه المشكلة الأكبر.
ويشير إلى أن الإفراط في الإقبال على الألعاب الالكترونية يؤدي إلى التوتر والقلق، من خلال قضاء ساعات طويلة أمام الشاشة الذي يمكن أن يزيد من مستويات التوتر والقلق، خاصة إذا كانت الألعاب تنافسية أو عنيفة، فضلا عن أنه قد يؤدي إلى الاكتئاب والعزلة، ومشاعر الوحدة على المدى الطويل.
ويشدد الدكتور مزهر على أن من يلعب الألعاب يخلط ما بين الواقع والوهم، ما يعزز المشاعر التي يشعر بها سواء العنف او الراحة.
ويشير إلى أنه ليست كل الألعاب الالكترونية ضارة، وإنما هناك منها ما يقلل التوتر والضغط ويفرغ الطاقة السلبية فضلا عن أن هناك منها يعزز التركيز ويزيط من نشاطات الدماغ.
أثر الألعاب الإلكترونية على العين بدوره، يذكر استشاري طب وجراحة العيون وضغط العين، الدكتور سالم أبو الغنم، آثار الألعاب الإلكترونية على العين أنها تزيد من جفاف العين بشكل كبير، وبالتالي تؤدي إلى احمرار وحكة وحرقة بالعين.
ويضيف في تصريح سابق إلى «الرأي» أن الألعاب الإلكترونية تزيد من الصداع المزمن لدى الأطفال نتيجة شد العضلات الداخلية للعين بسبب الاقتراب من الأجهزة الالكترونية، بالإضافة إلى أنها تؤدى الى ضعف النظر نتيجة التركيز المستمر على هذه الأجهزة.