كتاب

تحوّلات مهمة!

المُتابع لما يدور في المشهد الأميركي بخصوص ردود الفعل الشعبية إزاء سياسات العدوان والعنف الصارخين التي تمارسها إسرائيل في غزة والضفة وخارجهما، يجد أن تحولاً مهما قد طرأ مؤخراً في المجتمع الأميركي.

والتّحول هذا يتجسّد في أربعة أبعاد على الأقل: بُعد يتسم بالمفاجأة والصدمة من الأفعال والممارسات الإسرائيلية والتي أتت مضادة لما يعرفه المواطن الأميركي، وبُعد ينصب على شجب تلك السياسات ورفضها وتفنيد ودحض مُنطلقاتها، وبُعد يقوم على التظاهر العلني ضدها، وبُعد يركز على مطالبات ومبادرات وضغوطات على صانع القرار الأميركي للتوقف عن دعمها والدفع صوب معارضتها وإيقافها.

وأهمية هذا التحول تكمن في أنّه غير مسبوق. لم يكن أحدٌ يعرف المجتمع الأميركي حق المعرفة يتخيّل أن ينطلق آلاف المتظاهرين في المدن الأميركية، من أعراق وديانات وأعمار متعددة، للتنديد بالممارسات الإسرائيلية ومناصرة القضية الفلسطينية.

ولم يكن أحد يتصور أن يعتصم الطلبة في الجامعات الكبيرة والصغيرة، مناهَضةً للعدوان الإسرائيلي ومناصَرة لحقوق الشعب الفلسطيني.

كما لم يكن أحد يُفكّر أن يُخيّم البعض أمام بيوت بعض المسؤولين الأميركيين، صيفاً وشتاءً، لنفس الغرض، أو يعترض البعض أعضاء الكونغرس في طريقهم لمكاتبهم لمجادلتهم حول مواقفهم والدفع صوب تغييرها.

ولم يكن أحد يُخمّن أن يزداد عدد الممثلين الكوميديين والجادّين السّاخرين مما تفعله إسرائيل والشاجبين له. هذا إضافة إلى الشباب والشابات المغرّدين بقوة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد العنف الإسرائيلي وضد الظلم والقتل.

يضاف إلى كلّ هذا، وغيره كثير، بروز وسائل إعلام أميركية جديدة مناهضة تماماً وناقدة لأفعال الكيان وخطابه المغلوط الصّلف، ومعاكسة لوسائل الإعلام التقليدية المنحازة لإسرائيل انحيازاً فاضحاً؛ ثم هنالك، وهذا على درجة كبيرة من الأهمية، بروز العديد من المفكرين الكبار، من أمثال جفري ساكس وغيره، المفكّكين للخطاب الإسرائيلي والمندّدين به، حاذين حذو من سبقهم بعقود، نعوم تشومسكي.

بيد أنه لا بد من الإشارة هنا إلى ثلاث نقاط حتى تكتمل الصورة: أولاً، رغم أن هذا التحول مهم، ومهم جداً، فإنه ما زال بحاجة إلى أن ينمو ويتعاظم أكثر حتى يكون له الأثر المرجو؛ فأميركا كبيرة والخطاب المناصر لإسرائيل مُتجذّر منذ عشرات السنين، إضافة إلى المؤسسات الفاعلة والضاغطة صوب نصرة إسرائيل، رغم ما ترتكبه من آثام.

ثانياً، ما زالت استجابة صانع القرار في أميركا لم تتغير، إيجاباً. فالإدارة الأميركية الحالية ما زالت منحازة بقوة لإسرائيل رغم بعض التصريحات الخجولة حول وقف النار وحقوق الفلسطينيين وحل الدولتين. كلام دون فعل يسنده.

وبخصوص أعضاء الكونغرس فهنالك بعض التغيّر في مواقف بعضهم؛ وهذا أمر إيجابي؛ لكن مواقف معظمهم لم تتغير.

ثالثاً، هل يمكن لنا استثمار هذا التحوّل لصالحنا، على نحو ملموس محسوس: لصالح الحق والعدل والسلام؟ هذا سؤال المليون دينار؟ هنالك بالطبع جمود سياسي الآن في أميركا بسبب انتخابات الرئاسة، لكن الصورة ستنجلي وتبان بعض المؤشرات حول المستقبل عند إعلان النتائج بعد شهر تقريباً وعند تسلّم الرئيس/الرئيسة المهام مطلع العام المقبل.