في عام ١٩٨٩ كان الأردن على موعدٍ مع لحظة مفصلية في تاريخه السياسي الممتد، حيث افضت انتخابات برلمانية تاريخية إلى تغييرات جذرية في الحياة الحزبية والسياسية.
لم تمثل انتخابات ال٨٩ نقطة تحول ديمقراطية فحسب، بل وضعت الأحزاب الأردنية أمام استحقاقات سياسية واختباراً لعلاقتها بالأردنيين، مما جعلها فترة حاسمة في تاريخ الأردن الحديث.
ويصبح السؤال اليوم بعد ٣٥ سنة ونحن على أعتاب الانتخابات ٢٠٢٤، كيف لنا ان نستلهم تجربة الماضي في التطلع نحو مستقبل أفضل؟.
على الدوام كان الأردن، واقعاً في منتصف إقليمٍ ملتهب ومضطرب، وكان القيادة الهاشمية على الدوام تحاول خلق التوازنات للمرور بالبلاد لبر الأمان، فمنذ الخمسينات كنّا نحن الأردنيين محاطين بمشاريع عابرة للدول، وكان الوطن العربي ساحة لأيدولوجيات متضاربة، كانت هنالك الأحلام القومية واليسارية والدينية. وكانت كلفة الاستقرار السياسي في الأردن باهظة في ظل المشاريع التي تحيط بنا من كل الجوانب، خصوصاً بعد حرب ١٩٦٧ مع العدو الصهيوني.
وبقي الحال على ما هو عليه الى حتى نهاية الثمانينات عندما وصلنا لمرحلة انتقالية عنوانها الانفتاح الديمقراطي وعلى صوت الأحزاب مجدداً في الحياة السياسية، وبنظرة عامة لماضي الحياة الحزبية آنذاك كانت الأحزاب الأيديولوجية هي من تتصدر المشهد من احزاب قومية ويسارية وإسلامية، في ظل غياب أحزاب برامجية على مستوى الوطن، لذا فكان النقاش السياسي في الأردن وقتها مرتهناً لأيديولوجيا الأحزاب ولاصطفافاتها العقائدية والسياسية، ولا يمكننا ان ننكر الدور البارز لأحزاب مثل الحزب الشيوعي وجبهة العمل الإسلامي في إثراء المشهد السياسي ودورها (ولو كان ضئيلاً) في التشجيع على المشاركة الشعبية في الحياة السياسية.
وفي سياق إعادة بناء الحياة الحزبية في تسعينيات القرن الماضي، لعب الكثير من رجالات الدولة أدواراً جوهرية في تهيئة الأجواء لنمو وازدهار الأحزاب من خلال توفير الدعم والتوجيه اللازمين. وبتعاقب الحكومات منذ التسعينات ولغاية الآن كان لعبت السلطة التنفيذية والتشريعية دوراً محورياً في توجيه السياسات وتنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي، وانعكاساتها على الدور الحزبي والبرلماني في البلاد من خلال دعم الإصلاحات القانونية والتشريعية.
واجه الأردن على الدوام تحديات فيما يخص تفعيل دور الأحزاب في النظام البرلماني الأردني، خصوصاً بوجود مشاكل لا بد من ذكرها في الشارع الأردني كانت ملازمةً للحياة السياسية، كتدهور الثقة العامة في الأحزاب وتراجع الإنخراط في أنشطتها السياسية، خصوصاً بين الشباب وعدم تجديد هيكليات الأحزاب وبرامجها الأمر الذي طرح على الدوام سؤالاً ملحاً عن ماهية الإصلاحات الضرورية لإعادة تفعيل دور الأحزاب في الحياة البرلمانية وتعزيز المشاركة الشعبية.
تكمن الإجابة عن هذا السؤال في النظر إلى الانتخابات اليوم مع وجود العديد من الأحزاب البرامجية على امتداد الوطن كحصيلة لعقودٍ من العمل الدؤوب نحو تطوير الحياة الحزبية.
من الضروري اجراء اصلاحات سياسية وقانونية تضمن تعزيز دور الأحزاب وتمثيل اوسع للأطياف السياسية المختلفة، مما يسهم في تحقيق ديمقراطية اكثر نضجاً واستقراراً. إن الأحزاب السياسية تعتبر العمود الفقري للديمقراطية. من خلال دعم وتعزيز هذه الأحزاب، يمكن للأردن ان يتقدم نحو تحقيق تقدم سياسي، اجتماعي واقتصادي مستدام. الوقت قد حان لكل مواطن وقائد سياسي في الأردن للعمل معاً من اجل دعم الحياة الحزبية وتعزيز النظام الديمقراطي. لنكون جزءاً من التغيير الإيجابي الذي سيعيد للأردن مكانته كنموذج للديمقراطية في المنطقة.