كتاب

من يتكلم ومن يسمع؟ قصة سياسية أردنية

<p>تحدث أحد لاعبي المنتخب الوطني عن أرضية ستاد عمان، ويبدو أن حديثه لقي صداه، فتحسنت الأرضية بشكل لافت في آخر مبارايات المنتخب، واللاعب نفسه، تحدث عن ملعب جديد تستحقه الأردن وأصبح ضرورةً، واللاعب محق إلى درجة بعيدة، فالمنشأة الرياضية تقد الأردن كله للعالم، ولذلك تعتني الدول بهذه النوعية من المنشآت، ولنقل أن دولًا إفريقية فقيرة مثل زامبيا، تمتلك ملعبًا رسميًا لا يتوافر مثله في الأردن.</p><p>لست متابعًا جيدًا للرياضة، أو المباريات الكروية، والمعلومات أعلاه، عرفتها بينما كنت أنتظر دوري عند الحلاق! والحلاقون بالإضافة إلى سائقي سيارات الأجرة، يحبون الحديث الذي يقطع رتابة العمل، ولكل حلاق مجتمعه الصغير من الشباب الذين يمكن أن يجلسوا في محل الحلاقة من غير غاية، وبالمقابل، فالإنصات لهذه الفئات ربما يكون أكثر جدوى من الاستماع لمسؤول سابق، أو قيادي حزبي، لأنها تتجرد من الهوى ومن التنافس على المناصب والأدوار، فحديثهم، أو ما يتبقى من حديثهم، سوى خمسة بالمئة أو أقل، فضفضة مفيدة لأي متابع لأنه تقدم شريحةً من نبض ما يسمى بالشارع في الأردن.</p><p>في وسط الحوار الدائر حول كرة القدم، أتت جملة اعتراضية من أحد الشباب، ومعناها، أن أرضية الاستاد السيئة منذ سنوات، لم تتغير إلا عندما تحدث أحدهم، فهل ستتغير أمور أخرى إذا تحدثنا، ليدخل شاب آخر، موضحًا أن حديث اللاعب كان في الإعلام، وأنه لقي صداه لذلك السبب، وأن مجرد الحديث لا يمكن أن يؤدي إلى نتيجة من غير أن يكون مسموعًا من الأساس.</p><p>يتشكك شاب آخر، مبينًا أن اللاعب تحدث لأنه محترف في أوروبا، وأنه لا يخاف من التبعات التي يمكن أن تلحق باللاعبين المحليين، ومضى الحوار على هذا المنوال، حتى دعيت إلى دوري، وسألني الحلاق عن الأوضاع الاقتصادية، فكنت السبب في انقطاع الحوار الذي أحببته أن يستمر لأن الشباب أنفسهم بدأوا ينصتون إلى حوارنا حول السوق والحركة وغير ذلك من تعبيرات تستخدم للحديث عن الشأن الاقتصادي.</p><p>الحديث كله لم يكن متصورًا عند أي محل حلاقة في الأردن في منتصف التسعينيات من القرن الماضي، وأذكر أنني قصدت الأردن من غير أسرتي في تلك الفترة، وكانت التوصية الواضحة من بعض أصدقاء الأسرة أن أتجنب الحديث مع أشخاص لا أعرفهم، وخاصة سائقي سيارات الأجرة، الحديث المقصود كان يعني أي نقد سياسي بشكل خاص.</p><p>اليوم، نتحدث كثيرًا في الشؤون السياسية، والجلسات شبه الخاصة حتى التي تجمع بعض الشخصيات التي عملت في مواقع المسؤولية تحمل سقفًا عاليًا، ولكن المشكلة في جانب الاستماع، وفي حسابات من يتكلمون ومن يسمعون!</p><p>ستاد عمان من الأصول الوطنية التي تعرضت للتقادم، ومع أن حالته كانت واضحةً إلا أن أحدًا من النواب لم يتحدث في موضوعه مطلقًا، لأن معظم النواب يتحدثون عن مكتسبات لمناطقهم، ربما تترجم في النهاية إلى مدرسة لا يرتادها الكثير من الطلبة، أو ترقية منطقة معينة من تصنيف إلى آخر، بما يضمن وظائف جديدة في أجهزة الحكم المحلي، أما الشؤون التي تتعلق بالأردن ككل فلم تكن تسترعي انتباه أحد، مع أن الاستاد يشاهده العالم لأنه يحدث أن نستضيف منتخبات كبيرة مثل الأورغواي وأسبانيا، وأخرى من الدول العربية والآسيوية، وخاصة السعودية وأستراليا واليابان.</p><p>قبل الدور الرقابي والتشريعي ثمة دور وإن لم يكن مؤطرًا بصورة واضحة يمكن تسميته بالدور الوطني، فإذا وقعت حادثة مسيئة للأردن في المطار الذي يعتبر بوابتنا على العالم، فإنه يتوقع أن يلقى صداه في المجلس النيابي، ويبدأ البحث عن الأسباب والحلول، لأن المطار أصل وطني يمتلكه جميع الأردنيين في جميع الأماكن والمحافظات، وايرادات المطار تذهب إلى الخزينة لترفد نفقاتها في كل ناحية وقرية من الأردن.</p><p>مسؤولية الجميع عادةً ما تكون مسؤولية اللا – أحد، وللخروج من هذه الإشكالية كانت فكرة التمثيل السياسي والعمل على تحسينه بصورة مستمرة، ووقتها يمكن أن يقترب الحديث من المصلحة العامة الجمعية، ويمكن أن يجد المسموعية المناسبة التي تضيع وسط المطالبات الخاصة والأولويات الاسترضائية.</p>