في شهرِ أيارَ عام 1972م اجتمعَ قسمُ التاريخِ والآثارِ بكليةِ الآدابِ بالجامعةِ الأردنيةِ وبحضورِ عددٍ من الزملاءِ أعضاءِ قسمِ التاريخِ بجامعةِ دمشق الذين كانوا يأتونَ لمدة يومينِ في الأسبوع لتغطيةِ عددٍ من المساقات التدريسيةِ بقسمِ التاريخِ، وفي هذا الاجتماع طُرحتْ فكرةُ عقدِ مؤتمرٍ دوليٍّ حول تاريخِ بلادِ الشامِ عبرَ العصورِ، واعتُمدَ الموضوعُ، ووُجِّهتِ الدعواتُ وشارك فيهِ أعداد كبيرة من المؤرخينَ العرب ومنَ المستشرقينَ، وافتتحَ جلالةُ الملكِ الحسينِ بن طلال رحمهُ الله يومَ السبت الموافق 20 نيسان 1974م أعمالَ المؤتمرِ بحضور كريم لسموِّ الأمير الحسن بن طلالٍ رجلِ النهضةِ الذي يحملُ في وجدانِهِ وخاطرِه على الدوامِ الارتقاء بالأمةِ والنهوضَ بِها.
ومنذُ ذاكَ التاريخِ واظبَ القائمونَ على المؤتمر على عقدِهِ بالتناوب ما بينَ الجامعةِ الأردنيةِ وجامعةِ دمشقَ ثم كان انضمامُ جامعةِ اليرموكِ لهذهِ المسيرة، التي اتسمتْ بالموضوعيةِ وتقييمٍ دقيقٍ للبحوثِ لبيانِ مدى صلاحيتها للإلقاءِ وتقييمٍ جديدٍ لبيانِ مدى صلاحيِتها للنشرِ، وبذلك حافظنا على هذا المستوى الرفيع للمؤتمر.
لقدْ عقَدنا أحدَ عشرَ مؤتمراً تخلَّلهَـا عددٌ من الندوات العلميةِ قمنَا بنشرِها في خمسةٍ وثلاثينَ مجلداً بلغَ عددُ صفحاتِها (17.302) صفحة وقد استضافَ سمُّو الأميرِ الحسنِ أحدَ الأساتذةِ الكبارِ لدراسةِ ما نُشِرَ وإعادة صياغته.
كما تعاقدَ المؤتمرُ مع أستاذ آخر لترجمةِ الأوامرِ السلطانيةِ الواردة في دفاترِ المهمةِ العثمانيةِ، ومضى على عملِنا هذا اثنانِ وخمسونَ عاماً. وأصبحَ المؤتمرُ مدرسةً بحثيةً اعتلى منبره عدد من كبار المؤرخين مضى بعضهم إلى رحمةِ الله وما زالت المسيرة مستمرة.
فالشكرَ موصولٌ لكلِّ رؤساءِ الجامعاتِ الثلاثةِ المتعاقبينَ على حملِ المسؤوليةِ، ونرحب بالحاضرين منهم والشكرُ موصولٌ لكلِّ الأجهزةِ الإداريةِ والخدميةِ في الجامعاتِ الثلاثةِ التي كالمعتادِ تقفُ عندَ انعقادِ كلِّ مؤتمرٍ لإنجاحِه وإعلاءِ شأنِهِ.
كُلِّفتُ في منتصفِ التسعيناتِ من القرنِ الماضي للسفرِ لمقابلةِ رئيسِ وزراءِ ماليزيا المهاتير محمد لطلبِ مساعدةِ دولتِهِ في دعمِ جامعةِ آلِ البيتِ، وشرحتُ له بالتفصيل رسالةَ الجامعةِ وغاياتِها، وذكرتُ لهُ عددَ الطلابِ الذينَ التحقوا بالجامعة مِنْ بلدِهِ وأطلتُ الشرحَ، فنهضَ مِنْ وراءِ مكتبِهِ وتناولَ مقدمةَ عبدِ الرحمنِ بن خلدونَ وقالَ لي اكتبْ لي مثلَ هذهِ المقدمةِ وأنا سأمّولُ جامعتَك، فقلتُ له يا دولةَ الرئيسِ أعطني ثمانِمئةِ عامٍ مِنَ السيادةِ العربيةِ الإسلاميةِ وسنكتبُ لكَ مثلَ هذهِ المقدمةِ.
واليومَ وبعدَ أنْ انفجرَ الحقدُ الدفينُ ضدَّ العربِ والمسلمينَ في أوروبا وحفيداتِها الأمريكيتينِ وملحقاتِها في أستراليا ونيوزيلاندا وعلى ضوْءِ ما يتعرضُ لهُ الشعبُ الفلسطينيُّ مِنَ الإبادة على يدِ الغزاةِ الصهاينةِ، حيثُ سقطتْ كلُّ القيمِ والدعوةِ إلى المعايشةِ الإنسانيةِ، أعودُ أتسأءلُ منْ جديدٍ: كمْ منَ الزمنِ نحتاجُ بعدّ أَنْ أُجْهِزَ على السيادةِ العربيةِ الإسلاميةِ حتى نكتبَ مثلَ مقدمةِ ابنِ خلدونَ!! ونقولُ في كلِّ الأحوالِ: «ربـــي لكَ العُـتبــى حتى ترضـــى».
* ألقيت في حفل انطلاق المؤتمر الثاني عشر لتاريخ بلاد الشام: الكتابة التاريخية في بلاد الشام في القرون الخمسة الهجرية الأولى)، الذي أقيم برعاية سموّ الأمير الحسن بن طلال، بكليّة الملك عبدالله الثاني لتكنولوجيا المعلومات، بالجامعة الأردنية.
(مقرر لجنة تاريخ بلاد الشام)