مع اشتدادها، لم ترحم نار الحرب في غزة الأطفال الصغار. فمن التهديد بالمجاعات حتى القصف وصولاً إلى التدفئة، يبقى هؤلاء المأساة الأصعب.
ويظهر العديد من المقاطع المصورة على وسائل التواصل الاجتماعي، لمجموعات من الأطفال في غزة وهم يحرقون أوراقا للحصول على بعض الدفء في ظل الأجواء الباردة التي يعيشها القطاع هذه الأيام.
ويأتي الفيديو وسط الحرب التي لم ينجُ منها لا حجر ولا بشر.
لكن كيف كان يدفئ الانسان نفسه قديما؟
مع فقد الإنسان للشعر الذي كان يلفّ جسده لم يتمكن الإنسان من التكيُّف مع برودة الشتاء بشكل طبيعي، إذ استخدم آليات عديدة للحفاظ على درجة الحرارة، ألهم تسخير الكثير من الأشياء من حوله لكي يتكيف مع هذه البرودة التي تستمر لأشهر طويلة، وقد تبلغ درجات الحرارة قيماً كبيرة تحت الصفر كما في الدول الاسكندنافية.
إذ اضطر إلى اتخاذ بعض التقنيات التي قد تساعده في البقاء على قيد الحياة رغم لسعة الصقيع القارس. هناك بعض الطرق التي ابتكرها واستخدمها الإنسان في مختلف العصور لكي يتمكن من الحصول على الدفء المطلوب في فصول الشتاء المختلفة، سواء أكانت به ثلوج وجليد أم برودة فقط.
إذ كانت تلك الخبرة قائمة على بعض الممارسات الحياتية، التي مازالت موجودة حتى يومنا هذا، إذ نفعلها بشكل تلقائي اليوم، مثل لبس المعاطف والجلد خصوصاً، وأكل اللحوم والدهون، وشرب بعض المشروبات الساخنة التي ترفع من درجات الحرارة، مثل السحلب والزنجبيل، هذه الممارسات لها جذور تاريخية تعبر عن الخبرة البشرية.
الكوخ أول آليات التدفئة في الشتاء
عندما ودَّع الإنسان الكهوف مندفعاً إلى السهول في بحثه الطويل عن الغذاء، تعرَّض إلى هطول الأمطار والثلوج، ما دفعه لاستنساخ الكهف في أي مكان يرتحل إليه، فبنى كوخاً من الجلود وعظام الحيوانات التي كان يأكلها، ومن بعض الصخور، قبل أن يستخدم الأخشاب وتزداد تلك المواد التي سيصنعها اليوم في بناء المنازل كالإسمنت والحديد.
اكتشف فريق من علماء الآثار اليابانيين بقايا ما يعتقد أنه أقدم بناء صناعي في العالم على جانب أحد المنحدرات بمنطقة شيشيبو شمالي طوكيو. ويقدر عمر الموقع بنصف مليون عام، وهي الفترة التي كان يعيش فيها إنسان (إريكتوس) البدائي في المنطقة. ويضم الموقع ما يعتقد أنه عشر حفر لأعمدة تشكل مخمّسين غير منتظمين يعتقد أنهما بقايا كوخين. وقد عثر على 30 أداة حجرية مبعثرة حول الموقع.
أما قبل 50 ألف عام في سهول ووديان أوروبا، فقد وقف إنسان نياندرتال ومن بعده الإنسان الحديث يتفحص المكان، ليبني كوخاً كما اعتاد أجداده في الجبال، يقيهم زمهرير البرد وقيظ الشمس، فرأى هيكلاً عظمياً يعود إلى 'ماموث صوفي'، فلجأ إليه وسكنه، ملقياً على قفصه الصدري الجلود. اختمرت الفكرة في رأسه وقرر أن يستخدم الهيكل العظمي في بناء الكوخ، فوضع العظام الكبيرة في القاعدة، وشيد الكوخ وجعل من النابين باباً له.
تطوّر الأمر أكثر، وأصبحت هناك حاجة لإنسان الكهف الذي كان يشق طريقه للحضارة بأن يصطاد الماموث، وبما أن الماموث حيوانٌ عملاق ولا يستطيع اصطياده بمناورة كما كان يفعل مع الغزال أو الوعل أو الأرانب والظباء، واتخذ من جسده وجلده وفروة الماموث الصوفي مواد لكي تقيه برد أوروبا القارس.
ارتداء ملابس مصنوعة من جلد الحيوانات
استخدم الإنسان قديماً كل جسد فرائسه، يأكل لحومها لتمده بالطاقة والدفء، وحوافرها للزينة، وأسنانها وعظامها في البناء، اتخذ من فروها وجلدها رداءً لكي تقيه انخفاض درجات الحرارة. وتعتبر أول الأدلة الأثرية لاستخدام الجلود في المغرب.
إذ اكتشفت في منطقة الهرهورة بالقرب من العاصمة الرباط أدوات من عظام الحيوانات، تعود إلى 120 ألف عام، كانت تُستخدم في سلخ الثعالب وحيوان ابن آوى، وهي الأدلة الأولى على أول استخدام لجلود الحيوان، إذ يعتبر ذلك أقدم دليل على صناعة الملابس من جلد وفرو الحيوانات.
في أوروبا ومناطق تساقط الثلوج كان البشر يبيتون للحيوانات، فمع ظهور النهار يبدأ الثلج في الذوبان، وهذا ما يجعل الحيوانات الثديية تخرج من جحورها، فيتمكن الإنسان القديم من اصطيادها وتخزينها والحفاظ عليها حتى يأتي فصل الشتاء، ومن أبرز هذه الثدييات الثور الموسكي، الذي انقرض بسبب كثرة اصطياده، والماموث الصوفي في أوروبا.
مع الزراعة توصل الإنسان في الصين إلى استخدام الصوف كنسيج، إذ غزلوه يدوياً من أوبار وأصواف الخراف التي يربونها في الألفية الرابعة قبل الميلاد، وبذلك نمى تربية المواشي واستخدامها في النسيج. قبل أن يبتكر يجري ابتكار القدماء صناعة النسيج من الكتان، باستخدام ملابس مصنوعة من الكتان، وحصل على ملابس داخلية لكي تزيد من جسمه.
كما كانت الشعوب التي سكنت مناطق أوروبا اليوم هي أول من استخدم القفازات في اليد للحماية من الصقيع، إذ صنعت من جلد الحيوانات، فيما بعد تطورت صناعتها من الصوف حتى يحصل على ما يريده من الدفء، كما استخداموا غطاء رأس مصنوع من الصوف، أغلب الحيوانات التي تستخدم في هذه الصناعة هي الغزلان والخنازير.
الفحم الحجري وروث الحيوانات
استخدم البشر أوراق الشجر والأخشاب كأحد آليات التدفئة الخارجية، وبعد فترة من استخدام أوراق الشجر وأخشابها في التدفئة في العصور القديمة لإحراقها والحصول على الدفء، استخدم البشر الفحم الحجري في إشعال النار، إذ كان أكثر دفئاً ولمدة أطول من الأخشاب. وتم تطوره من حفرة في الأرض يُسمى بالموقد إلى وجود العديد المداخن في كل كوخ ثم في البيوت.
وقد استخدم روث الحيوانات على شكل أقراص، وتسمى في هذه الحالة باسم (الجلة)، ومن ثم تجفيفها، وتُخزن في الصيف حتى يتم حرقها في الشتاء، وهذه الطريقة البدائية للغاية تساعد الفرد في الحصول على التدفئة في الجو قارس البرودة، وتستخدم حتى الآن في وقتنا الحالي كوقود لبعض المحركات، ولكن يتم إعدادها في أشكال مختلفة ذات أحجام وأوزان غير ثابتة.
استخدام نظام التدفئة الأرضية
قد يظن أن التدفئة الأرضية أحد آليات التدفئة الحديثة، إلا أن ذلك بدأ منذ العصر الروماني القديم وحتى الآن يتم استخدام بعض الأنظمة في التدفئة الأرضية، بعد العديد من التغيرات العديدة التي حدثت على مر الزمان، وفي العصر الروماني تم استخدام نظام الهايبوكوست، هذا النظام اعتمد كثيراً على الخشب، حيث تم استهلاك 114 طناً على مدار السنة الواحدة.
قدَّم المعماريون بعض الحسابات الرياضية حول قياس درجة حرارة الغرفة وكمية الخشب المراد حرقه، بالإضافة إلى مدة استمرار الحرارة في الحمام والبيئة، مع افتراض استمرار استخدام الفرن طوال العام.
آلية نقل درجة الحرارة من الفرن إلى الغرفة تتم عن طريق غازات المداخن، مع تركيب الكثير من الدعامات وترتيبها في صفوف على الأرض، وتم تصميم هذه الأرضية بشكل مائل حتى يسهل على الفرد تنظيف الرماد وتجنّب العديد من المشاكل التي تسبب الحريق.
ولكن كان لها تأثير سلبي على المساحة الخضراء في هذه البيئة، حيث تم إعدام العديد من الأشجار حتى يصل الفرن إلى درجة الحرارة المطلوبة للحصول على التدفئة، بالتالي يتم استهلاك عدد كبير من خشب الأشجار.
الطب الصيني القديم والتدفئة
من المعروف أن الطب الصيني قديم قدم حضارتهم، إذ راكم على مدار السنين آليات وتقنيات لمواجهة الشتاء، إذ للطب الصيني أدوات للحفاظ على الدفء والاستقرار في البيوت، وبعيداً عن البيوت، إذ كانوا عادة ما يستقرون في البيوت في فصل الشتاء، ويخرجون في الربيع ويزرعون.
وخلال فترة البيات عادةً ما كانت هناك ممارسات من الطب الشعبي، وذلك للعودة إلى العمل بحيوية جيدة، ومن بين الطرق التي يتحدث عنها الطب الصيني؛ الحفاظ على الرأس بارداً وإبقاء باقي الأطراف دافئة، وأن يكون الرأس بارداً لا يعني تركه مكشوفاً بدون غطاء، ولكن يعني غسل الرأس والوجه بالماء البارد في كل صباح لزيادة المناعة، ما يقوي الإنسان في مواجهة أمراض الشتاء مثل الإنفلونزا وغيرها.
الطريقة الثانية للحفاظ على دفء الجسم هي استخدام حمام القدم مع الزنجبيل، وهذا لكي تتمكن الدورة الدموية من التنشيط في الأطراف السفلية من الجسم، وبعث الحرارة إليها، وهذه الطريقة تتم في المساء قبل النوم مباشرة. بالإضافة لشرب الزنجبيل والجنسنج وأعواد القرفة.
وإضافة الفلفل الحار إلى وصفات الطعام، وذلك لكي يرفع درجة حرارة الجسم، إذ عبّرت تلك التقنيات عن محاولة الإنسان التكيف مع تغيرات الطقس في فصل الشتاء، كما تطورت تلك الآليات فتحولت جلود الحيوانات إلى معاطف، وإحراق الأخشاب وروث الحيوانات إلى تدفئة عبر أجهزة خاصة، أو عبر الغاز الطبيعي، إذ تعبّر عن خبرة الإنسان عبر التاريخ، وتمريرها للأجيال التالية.