كتاب

محطات من زيارة سمو ولي العهد لسنغافورة

لعل من أهم المفيد الإشارة لمحطات زيارة سمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني إلى سنغافورة (وهي الزيارة الرسمية الأولى لسموه) لما تشكله من رسائل أردنية ذات قيمة وجهها سموه وركز على دور العلاقات الثنائية بين البلدين.

ضمن المحطة الأولى للزيارة التقى سموه قادة أعمال من كبرى الشركات والمؤسسات السنغافوري حيث بحث مع الحضور فرص التعاون في الاستثمار بين الأردن وسنغافورة، لتحقيق التكامل والازدهار بين البلدين وأشار سموه في حديثه إلى مواطن القوة والفرص المتوفرة بالأردن، الذي يتمتع برأس مال بشري وقوى عاملة متفوقة في المجالات التكنولوجية والهندسية، إضافة إلى الموقع الاستراتيجي للمملكة وإمكانية الوصول إلى قاعدة مستهلكين تضم 1.6 مليار شخص من خلال اتفاقيات التجارة الحرة المتعددة وأوضح سموه أن الأردن حقق تميزا في مجال الطاقة، بخاصة أن تغطية الكهرباء في الأردن بلغت نسبة 100 بالمئة، أكثر من ربعها من الطاقة الخضراء.

كما وأشار سموه إلى توفر البنية التحتية الرقمية والتكنولوجيا الذكية في الأردن، ضمن بيئة اقتصادية آمنة مع استقرار سياسي ومالي قوي، إضافة إلى تراث الأردن الثقافي الغني بالمواقع التاريخية الشهيرة والمميزة والذي يجذب ملايين السياح.

وتبادل سموه الحديث مع الحضور حول فرص التعاون في مجالات التطوير العقاري، وإدارة الأعمال وتكنولوجيا المعلومات، والتعدين والطاقة، والمنشآت السياحية، وإدارة الاحتياطات النقدية والصناديق الاستثمارية، والخدمات المصرفية الرقمية، والشحن والخدمات اللوجستية.

المحطة الثانية كانت لقاء سموه مع الوزير الأول والوزير المنسق للأمن القومي تيو تشي هين، ووزير التعليم والوزير المسؤول عن الخدمة العامة تشان تشون سينغ، حيث تم خلال اللقاء التأكيد على العلاقات المتينة التي تجمع البلدين، وتم بحث سبل تعزيز أمنهما القومي في ظل وجود البلدين في مناطق محاطة بالاضطرابات الجيوسياسية. كما جرى التأكيد على أهمية توسيع الشراكة في مجالات مكافحة الإرهاب من خلال برامج التدريب المشتركة وبناء القدرات، والتنسيق إزاء المخاطر الأمنية التي تواجه المنطقة لتحقيق الاستقرار الإقليمي، وسبل التعاون في مجالات التكنولوجيا الدفاعية والأمن السيبراني، لما لدى البلدين من اهتمام مشترك وخبرات متنوعة في هذه الملفات، وأكد سمو ولي العهد أن الأردن لا يدخر جهدا للعمل نحو السلام والأمن في الإقليم والمنطقة، مشددا على أن المنطقة لن تنعم بالسلام والاستقرار ولن تتوقف دوامات العنف والتطرف المتزايد فيها، ما لم يتم حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.

وعبر سموه عن قلقه إزاء الخطاب المتطرف المتصاعد الذي يغذي الصراع، مثمنا تصويت الحكومة السنغافورية لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تقدم به الأردن لوقف العدوان على غزة، ومن جانبهما، أشاد الوزيران بدور الأردن المحوري، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، في الشرق الأوسط، وبجهود المملكة في العمل نحو تحقيق السلام والأمن والاستقرار في المنطقة والعالم.

المحطة الثالثة كانت رعاية سموه وبحضور سمو الأميرة رجوة الحسين، إطلاق المعرض الأردني بمنطقة حدائق الخليج (جاردنز باي ذا بي)، حيث جال سموهما في مرافق المعرض الذي يساهم في الترويج السياحي للأردن، وتعزيز وتوسيع التبادل السياحي بين البلدين، قبل أن يشارك سموه في زراعة أول شجرة زيتون أردنية بحدائق الخليج علما بأن المعرض يوفر الفرصة لزائري حدائق الخليج الاطلاع على مجسمات للمواقع الأثرية الأردنية، ومشاهدة معرض صور للمواقع الأثرية، واستعراض قطع فسيفساء من كنيسة القديس إسطفانوس بأم الرصاص ويتح كذلك الاطلاع على الأعشاب البرية التي تعيش بالأردن، وعلى منتجات البحر الميت، وعلى مجموعة متنوعة من قطع الصوف المنسوجة من جمعية سيدات بني حميدة ومؤسسة نهر الأردن، والتي تعكس جانبا من التراث الثقافي الأردني، وجرى على هامش الحفل توقيع مذكرتي تفاهم، الأولى بين هيئة تنشيط السياحة والرابطة الوطنية لوكلاء السفر في سنغافورة، والثانية بين الحديقة النباتية الملكية وحدائق الخليج.

المحطة الرابعة كانت لقاء سموه مع رئيس الوزراء السنغافوري لي هسين لونغ، حيث أكد سموه على عمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مشيرا إلى ضرورة تعزيز التعاون في مختلف المجالات، بخاصة الاقتصادية ولفت سمو ولي العهد، خلال اللقاء الذي عقد في قصر أستانا الرئاسي، إلى أهمية اتفاقيات التعاون بين البلدين والتي شهد سموه تبادل بعضها خلال الزيارة، مثمنا تعاون المؤسسات السنغافورية مع الأردن في التبادل المعرفي بمجالات الإصلاح الإداري والتعليم والتدريب المهني والتقني، كما وأعرب سموه عن شكره وتقديره للحكومة السنغافورية على الجهود الإغاثية الإنسانية في قطاع غزة، لافتا إلى أن الأردن مستمر في العمل نحو السلام والأمن في المنطقة، واللذين لن تنعم بهما دون حل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، بدوره وثمن رئيس الوزراء السنغافوري الجهود الإنسانية التي يقودها الأردن منذ بدء الحرب على غزة.

المحطة الخامسة مأدبة الغداء الرسمية التي أقامها رئيس الوزراء السنغافوري تكريما لسموه والوفد المرافق، بحضور عدد من كبار المسؤولين السنغافوريين، حيث عبر سموه، في كلمة خلال مأدبة الغداء، عن شكره للحكومة السنغافورية على الترحيب الحار وكرم الضيافة في أول زيارة رسمية لسموه لسنغافورة. وأعرب سمو ولي العهد عن اعتزازه بنمو العلاقات الاستراتيجية بين البلدين خلال العقود الماضية، مشيرا إلى أن الأردن وسنغافورة يعملان لتعزيز التقدم والازدهار.

وبين سموه أن الزيارة تأتي في وقت صعب للمنطقة، حيث المشاهد تمزق القلب في غزة والخسائر فادحة في ارواح الأبرياء والمعاناة اليومية التي لا توصف في غزة والتدمير المتعمد ليس فقط للبنية التحتية الأساسية ولكن أيضا للثقافة والتراث ودور العبادة، إضافة إلى تحطيم أحلام وآمال أجيال بأكملها، مشددا على ضرورة وقف إراقة الدماء وإنهاء المعاناة اليومية وضمان عودة الغزيين إلى منازلهم آمنين وإعادة الحقوق المسلوبة لأصحابها، وهذه الأوقات الحرجة تحتم على الجميع العمل معا لتحقيق المصلحة العليا، من خلال الالتزام بالقوانين والأعراف الدولية وتطبيقها على الجميع بتساو ودون انتقائية؛ العالم بحاجة ماسة إلى أصوات الحكمة والتعاطف للتغلب على أصوات الانقسام واللامبالاة.

سلط سموه الضوء على جهود ومساعي الأردن، بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، لإبقاء القضية الفلسطينية أولوية عالمية عبر مختلف المنابر الدولية، وأشار سمو ولي العهد إلى كلمة جلالته قبل خمس سنوات في المؤتمر الدولي للمجتمعات المتماسكة في سنغافورة، والتي أكد فيها أن الصراع المركزي في المنطقة يتمثل في استمرار إنكار حق إقامة الدولة الفلسطينية، وأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أدى إلى تأجيج الفتنة والتطرف العالميين. وأعاد سموه التأكيد على أهمية حل الدولتين كالسبيل الوحيد لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، مشددا على أن الأردن لا يدخر جهدا للعمل لتحقيق السلام والأمن الإقليميين، جنبا إلى جنب مع حلفائه وأصدقائه.

وأعرب سمو ولي العهد عن شكر الأردن للحكومة السنغافورية لتصويتها لصالح قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي تقدم به الأردن لوقف الحرب على غزة وتبني هدنة إنسانية فورية ومستدامة في القطاع. وعلى صعيد العلاقات الثنائية، عبر سموه عن سعادته بفتح آفاق جديدة للتنسيق والتعاون بين البلدين، مشيرا إلى حرص الأردن على تعزيز التبادل المعرفي مع سنغافورة والتعلم من تجربتها.

المحطة السادسة زيارة سموه إلى معهد التعليم التقني في العاصمة السنغافورية حيث جال سمو ولي العهد في مرافق المعهد الذي يضم حاضنات ابتكار ومختبرات علمية لتدريب الطلبة وتوفير التطبيقات العملية التي تؤهلهم لتلبية متطلبات سوق العمل. وأكد سموه أهمية بناء شراكات مستدامة بين المعهد ومؤسسات التعليم والتدريب المهني والتقني بالأردن، معربا خلال لقائه بالقائمين على المعهد عن إعجابه بالتجربة السنغافورية في هذا المجال وأشار سمو ولي العهد إلى أن الأردن أطلق الاستراتيجية الوطنية للتعليم والتدريب المهني 2023 -2027 تماشيا مع رؤية التحديث الاقتصادي، لافتا إلى التزام الأردن في تحقيق إصلاحات بهذا المجال، وعقب ذلك تم توقيع مذكرة تفاهم بين معهد التعليم التقني السنغافوري ومؤسسة التدريب المهني الأردنية، بهدف توفير الخدمات الاستشارية والبرامج التدريبية للطلبة وتدريب المدربين، وتبادل الخبرات ضمن أفضل الممارسات.

المحطة السابعة زيارة سموه كلية «لي كوان يو» للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية.

وجرى خلال الزيارة توقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى توفير برامج متخصصة في السياسة العامة والإدارة لمسؤولي وموظفي الحكومة الأردنية وتسهيل مشاركتهم في برامج الكلية التنفيذية والماجستير وتشمل المذكرة التعاون بين الكلية ومعهد الإدارة العامة الأردني، مما يتيح الفرصة لتعزيز أساليب تدريب موظفي القطاع العام بما يتماشى مع أهداف التحديث الإداري، إضافة إلى التمكن من نقل المعرفة إلى الأردن من خلال التعليم التنفيذي وبرامج الدراسات العليا، وأكد سموه أهمية الشراكة بين كلية «لي كوان يو» والمؤسسات المعنية بالأردن في تمكين الموظفين في المراكز القيادية وتزويدهم بالمعرفة والخبرة ذات المستوى العالمي لقيادة وتنفيذ الإصلاحات الوطنية في الأردن بشكل فاعل.

وتوفر الكلية درجات الماجستير في السياسة العامة، والإدارة العامة، والشؤون الدولية، إلى جانب درجة الدكتوراه في السياسة العامة، إذ تم خلال عام 2022 تخريج أكثر من 3800 طالب من 94 دولة وتدريب أكثر من 24000 متخصص من 114 دولة.

زيارة مثمرة هي لسمو ولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله الثاني وحضور أردني واضح لإبراز الأردن وسعيه الحثيث للمستقبل، حفظ الله سموه في كنف جلالة سيدنا الملك عبد الله الثاني.

fawazyan@hotmail.co.uk