ثمة العديد من جوانب الحياة والتي تستحق متابعتها لدفع الأمل والبشرى والبهجة في النفوس؛ ما أحوجنا في هذه الفترة المفصلية من حياة الأمة العربية والإسلامية البحث عن جوانب تغذي الروح والفكر والوجدان بصور الثقة والإيمان بالله -عز وجل-.
كنت أرقب العديد من الأشجار هذه الفترة من السنة وخلال فترة السكون والركود والسبات وقد أخذت ما يكفيها من موسم الصيف الماضي من حرارة وغذاء وماء واحتياجات ضرورية للنمو والانطلاق من جديد بعد فترات طويلة من البرد والعتمة.
فسيولوجيا لنبات تقدم الكثير من التفسيرات عن نمو النبات ومتطلباته الهرمونية واللازمة للنشاط وتفتح البراعم والإزهار وعقد الثمر وتبادل البهجة بعد فصل الخريف الضروري في مسيرة النمو وتعاقب الفصول وتأمين الاحتياجات من الغذاء والهواء والماء والضوء للنمو السليم.
لا بد من النظر للحياة من خلال جمال وطبيعة عالم النبات وقد اقترب موسم التقليم وإزالة الزوائد على الشجر وتهذيب منظرها وتوفير التوازن في المظهر الخارجي، ليأتي من ثم الربيع وتتدفق الحياة في العروق التي كانت يابسة في فترة من عمر النبات.
وهذا ما ينطبق على معالم الحياة؛ ثمة فلسفة خاصة لمراحل وأجيال الحياة تنطلق واحدة تلو أخرى من عمرها الممتد من نعم المولى وفضله وكرمه في الصحة والعافية وما يجود به علينا ليل نهار.
أجمل في الحياة رصيد من الأمل لمواصلة المشوار رغم التحديات والصعاب، ومن ينظر لما يجري ويحدث في غزة وفلسطين، يستطيع فهم طبيعة الحياة بصدق وعزيمة من يخرج من تحت الأنقاض وقد حمل الأمل في نفسه، ليس لينتقم وحسب ولكن ليعيد كرة الحياة ويثبت النجاح في فهم طبيعة المواجهة وتفتح زهر البراعم من جديد ويظهر الرجاء.
درس الأشجار يعلمنا الكثير وأن الريح مهما كانت عاتية وشديدة إلا أن الجذور القوية تحافظ على العهد وترعى الأغصان وتحميها، وأن العقل قادرة مثل الأجيال على النمو والتكاثر من جديد برعاية واهتمام وعناية المولى وقدرته ومشيئته وحفظه.
نشهد الدمار وما تخلفه الحرب على غزة، ولكن الحياة سوف تجدد مهما بلغ الهدم من زمن، وهي كأوراق الشجر، تغادر الشجرة ولكنها تضحي بذلك من أجل نبضات قادمة من الحياة عبر البراعم وأكمامها وتفتحها وإنطلاقها إلى الأفق بقوة وحيوية ونشاط.
أجمل في الحياة، الحياة ذاتها والإرادة بدوام الخير والذي نلحظه في المواقف العفوية والمنظمة لدعم غزة وفلسطين بما يتيسر وأكثر من القول والفعل والإيمان بعدالة القضية ومصير الخلود لشعب يناضل في وجه العدوان والاحتلال ولن يستلم ويرحل ويهجر عن أرضه التي روتها دماء الشهداء.
عمر الحياة في غزة قبل المحتل وستبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ونسجل أن تلك المعركة كأنت ضرورية كالشمس والنهار والليل والفصول والشجر والحياة، نفقد منها وفيها وعليها الكثير، ولكنها تعطي الأكثر للوجود حياة تستحق الحياة.
عند استعراض قصة الحياة ومراحلها المنوعة والمتعاقبة ونتائجها من المواقف والمشاهد والصور، نرقب عن سبق اصرار وتصميم للمحاولات كافة لعيش الحياة بما تيسر من إيمان واستحقاق وثمن ونذر وضرورة تكفي لمضمون تفاصيلها واكثر من الولادة تحت القصف والدمار والعودة من تحت الأنقاض.
ما أجمل الحياة حين نعود لتدبر الآيات والسور من الذكر الحكيم ومنها سورة آل عمران الآية (140): «إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، فما أجمل الحياة حين تكون حياة!.
Fawazyan@hotmail.co.uk