كتاب

حرب عالمية على غزة

ما يتعرض له قطاع غزة من «محرقة» وعمليات إبادة جماعية يشبه حرباً عالمية، ليس بكثرة عدد الجيوش المشاركة فيها، وانما بحجم الدعم العسكري وتزويد الكيان الصهيوني بأحدث أنواع الأسلحة والمحرمة دوليا، وتوفير غطاء سياسي واسع لها من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الاوروبيين، فيما تقف الدول التي يقال أنها تشكل أقطابا فاعلة في السياسة الدولية، ويراهن عليها البعض مثل روسيا والصين متفرجة، وتكتفي باصدار بيانات تعبر عن القلق وتدعو لوقف التصعيد أو السماح بادخال مساعدات انسانية، وفي نفس الوقت تؤكد على ضرورة الافراج عن الأسرى، الذين تحتجزهم المقاومة الفلسطينية ويصنفونهم بـ'الرهائن! دون الاكتراث لما يزيد عن ستة الاف فلسطيني أسرى ومعتقلين في سجون الاحتلال..!

أما بعض المواقف العربية فهي باهتة جدا، وكأن ما يجري من مجازر متلاحقة وقصف وحشي يطال المدنيين ويهدم المنازل على بيوت ساكنيها، ويستهدف المستشفيات والمدارس وكل شيء يتحرك على الأرض، أشبه بفيلم سينمائي وليس بحر من الدماء!.

من الواضح أن ثمة هدفاً سياساً واضحاً مشتركاً بين الاطراف الداعمة للاحتلال. عنوانه الرئيس الحفاظ على دولة الاحتلال كقوة مهيمنة في المنطقة، وجوهر القضية أن الكيان الصهيوني يشكل قاعدة متقدمة للاطماع الغربية، أو «الامبريالية» في البلاد العربية، لانه في حقيقته أشبه بورم سرطاني في عالمنا العربي، وظيفته الأساسية الامعان في تعميق الانقسامات العربية، وتخريب أي جهد تضامني حقيقي بين الاقطار العربية، ولتقريب الصورة يكفي القاء نظرة خاطفة الى الدور الضعيف، الذي تقوم به الجامعة العربية برغم من غزارة الدماء التي تنزف في قطاع غزة.

أما العنصر الثاني الذي أكدته مجددا هذه الحرب المجنونة، رغم أنف جميع الدول التي تدعم العدوان تحت عنوان زائف وهو «حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها»، فهو مركزية القضية الفلسطينية وعدالتها، واستحالة حدوث استقرار في هذه المنطقة وما يترتب على ذلك من تداعيات كبيرة في العلاقات الدولية والامن العالمي، بدون ايجاد حل عادل يعيد الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها اقامة دولته المستقلة والحرة. والشاهد على ذلك التحولات الواسعة التي تحدث في الرأي العام الدولي والتظاهرات الواسعة في مختلف دول العالم، التي تندد وتستنكر العدوان الصهيوني على المدنيين في القطاع، وتطالب بوقفه ومحاكمة مجرمي الحرب المسؤولين عن هذه المجازر.

ولم يسبق لأمين عام للأمم المتحدة أن خرج عن دبلوماسيته التي يتطلبها موقعه، كما فعل الامين العام الحالي البرتغالي أنطونيو غوتيريتش، الذي اضطر إلى «بق البحصة» لهول ما يشاهد ويقرأ ما تنقله التقارير وما يصله من معلومات، حول الجرائم المهولة التي ترتكبها قوات الاحتلال من خلال القصف المتواصل ليل نهار للمدنيين في القطاع. وكان واضحا منذ البداية عندما تحدث أمام مجلس الأمن وسمى الاشياء كما هي بوصف ما يحدث بـ«الانتهاكات الواضحة للقانون الدولي الإنساني في غزة»، وأكد أن «أي طرف في الصراع المسلح ليس فوق هذا القانون»، وأوضح أيضا أن «الشعب الفلسطيني يخضع لاحتلال خانق على مدى 56 عاما»، وأن «هجوم حماس لم يأت من فراغ»، محذراً من «العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني».

وفي يوم 20 أكتوبر- تشرين الأول، زار غوتيريش معبر رفح على الحدود المصرية، ودعا لدخول مساعدات عاجلة لسكان غزة المحاصرين الذين يتعرضون للقصف الإسرائيلي بلا هوادة. لكن لا أحد يثير اهتماما لهذه المنظمة الدولية التي يتحكم بها الكبار، أما أمينها العام فهو مجرد كبير الموظفين، واذا تجرأ على قول الحقيقة فستوجه اليه السهام، وهو ما حدث بتصريحاته حول العدوان على غزة التي بدت «شاذة»، واغضبت دولة الاحتلال التي طالبت بإقالته!

theban100@gmail.com