كتاب

تغيّر مهم

بحثتُ مطوّلاً في المشهد الإعلامي الغربي لرصد الرأي العام الغربي تجاه العدوان الإسرائيلي الهمجي على غزة، فلم أتمكّن من إيجاد تحليل موضوعي شامل.

بَيْدَ أن أحد الأصدقاء دفع لي بتقرير مقتضب يعدّ مهماً، استخدم برمجيات الذكاء الاصطناعي في تحليل المشهد الإعلامي الغربي، بناءً على ما يُكتب أو يُقال فيه، بما في ذلك ما يكتب ويقال في وسائل التواصل الاجتماعي.

والتقرير يُلخّص بوضوح المُستخلصات الآتية:

يَخلصُ التقرير إلى أن الإعلام الرّسمي الغربي ما زال، مع الأسف، منحازاً للكيان رغم اختراقات مهمة هنا وهناك لصالح القضية الفلسطينية.

وهذا أمر غير مفاجئ لنا، لأن الكيان استثمر مطولاً في استمالة الموقف لصالحة، من خلال أساليبه الملتوية في الحصول على التعاطف والتأثير في المؤثرين.

الإعلام الرسمي الغربي، المُمَثّل بكافة وسائل الإعلام المُسيطرة على المشهد، ومنها الوسائل الرئيسة المعروفة لنا والتي تُقدّم نفسها على أنّها وسائل 'عالمية'، هو إعلام، بشكل عام، غير موضوعي وغير مهني في موقفه من القضية الفلسطينية.

وهذا أمر مُؤسف ومُضرّ، وعلى دولنا ومؤسساتنا المؤثرة التفكير بأساليب خلاّقة لمحاولة تعريته واختراقه والتأثير فيه بحيث يصير أكثر توازنا وإنصافاً لنا.

بَيْدَ أن التقرير يَخلص، بالمقابل، إلى أنّ الموقف في وسائل التواصل الاجتماعي مختلف تماماً، حيث إن الأغلبية، بحد أدنى ثلاثة إلى واحد، تشجب أفعال الكيان وتُندد بجرائمه وترفض عدوانه.

وهذا تطور مهم جداً، ويُدلّل على أنّ وسائل التواصل الاجتماعي هي في الغالب الأعمّ خارج نطاق سطوة الكيان، وأنها تُعلي من شأن المواقف الإنسانية التي لا تقبل بالاحتلال والاستعمار وجرائم الحرب، وأنّها تُناصر حق الفلسطينيين في العيش بكرامة وأمن وسلام، وإقامة دولتهم المنشودة مثلهم مثل بقية شعوب العالم.

كما يَخلص التقرير، وهذا أمر مهم ومُبشّر، إلى أنّ شريحة الشباب بالذات هي الأكثر تفهماً للمسألة والأشد رفضاً للعدوان ومناصرة لحقوق الفلسطينيين الكاملة.

والأمر هذا، موضوع موقف الشباب الغربي، على درجة كبيرة من الأهمية، لأنّ الشباب هم المستقبل، وبالتالي فإن المستقبل يصبّ في صالح القضية الفلسطينية وقضايا العرب.

وهذا التّغير الملحوظ، على بُعد وسائل التواصل الاجتماعي عموماً وبُعد الموقف الشبابي، لم يأت من فراغ. بل هو، في جزء منه على الأقل، جاء نتيجة طبيعية لجهود الشرفاء من قادة الأمة ومؤسساتها وأفرادها الذين استثمروا في العلاقات الطيبة والخطاب الإنساني العقلاني مع دول العالم ومؤسساته وأفراده منذ بداية الصراع مع الكيان وليومنا هذا.

وعلينا الاستمرار بقوة وشجاعة في خطابنا الإنساني وتواصلنا الذكي مع دول العالم ومؤسساته وشعوبه المناصرة لحقوق الإنسان والمنحازة للحق والعدل.

وعلينا، دولاً ومؤسسات وأفراداً، الاستثمار بالذات في وسائل التواصل الاجتماعي وفي التواصل مع شباب العالم ومؤسساته التي تتمتع بمصداقية من أجل قلب الصورة لصالحنا، نحن أصحاب الحق والعدل. وعلينا كذلك أن نسعى من خلال من يمتلكون وسائل التواصل الرفيع بيننا، باللغة الإنجليزية بالذات واللغات العالمية الأخرى، إلى اختراق المؤسسات الإعلامية الغربية الرسمية لأنها تبقى مهمة، رغم تراجع أهميتها مقارنة بوسائل التواصل الاجتماعي.

تطورات إيجابية في الرأي العام الغربي، رسمياً وشعبياً، لا بدّ لنا من رصدها واستثمارها على النحو الأمثل؛ إضافة، بالطبع، إلى التطورات في الرأي العام العالمي عموماً.