منذ انطلاقة الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو انتفاضة الحجارة عام 1987، نتحدث عن مجموعة من الأجيال الفلسطينية والتي نشأت وتربت في ظل انتفاضات متتالية وتعاملت وتأثرت مع الأحداث بشكل مباشر وكونت لنفسها رؤيا خاصة تجاه ما حدث بخصوصية تختلف عن باقي الأجيال من عمرها خارج الحدود وضمن الواقع الحياتي التي تعيشه والظروف المحيطة سواء التعليمية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
سنوات المواجهة التي عاشتها الأجيال من عمر الانتفاضة الأولى وحتى الآن كافية لتشكيل مجموعة من القيم والاتجاهات لدى تلك الأجيال الفتية والتي كبرت ونضجت وواجهت التحديات وبنت مستقبلها في المجالات كافة ومنها النضالي والانتماء للفئة التي تجد نفسها من خلالها سواء بسواء.
تحتاج أجيال الانتفاضة والتي عمرها الآن قارب على العام 36 تقريبا، وتبلغ مطلع النضج بعد أن قطعت أشواطا من التجربة والاطلاع على النماذج السياسية والتجارب الواقعية والتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي والقيادات الفلسطينية والسلطة الوطنية وطبيعية التغيير في المجالات المختلفة.
برزت العديد من المواهب الشابة الفتية والكثير من النماذج القيادية في المجتمع الفلسطيني وظهرت العديد من المبادرات الإصلاحية والتجارب الناجحة وفي المجالات كافة وبالمقابل العديد من النماذج السلبية والتي تمثلت في التعامل والخيانة وتكوين العصابات والمجموعات الخارجة عن القانون.
ونشرت العديد من الدراسات والأبحاث عن أجيال الانتفاضة وصفاتها ومقومات نجاحها في الكثير من المجالات وكذلك التحديات والعقبات التي ما تزال ماثلة وجاثمة أمام طريقها الحياتي والمعيشي.
عقب كل غزو وتدمير واجهته عزة على وجه الخصوص، بدت محاولات إعادة الإعمار دون المستوى المطلوب وتحديدا في إعادة تأهيل المصابين والناجين من القصف والتشرد والمحتاجين للعلاج النفسي والاجتماعي، مرورا بإصلاح وتأهيل المدارس والمستشفيات والمراكز الصحية وربما المساجد والكنائس.
والآن ومن ثنايا التصعيد القائم على غزة والرهان بالقصف وتدمير المنشآت الحيوية وفقدان عناصر الأمان والعلاج والأدوية وتوفير الماء والكهرباء والطاقة، ومقومات الحياة الضرورية والأساسية والتي يمكن السؤال عن طبيعة الأجيال الفلسطينية القادمة للحياة وما تحمله من قيم تجاه ما خلفه الاحتلال من ثوابت في المحالات كافة ومنها السياسية بطبيعة الحال والضرورة.
أجيال واجهت الكثير وفي جعبتها الأكثر من صور المعاناة والقهر والظلم وضيق العيش ومشاهد الموت والفقدان والمأساة والأزمات المتتالية والحرمان والتشرد، فكيف سوف تكون ردة فعلها تجاه مضمون ذلك؟
الإغراءات الاقتصادية وتوفير ظروف البحبوحة لن تجدي نفعا لإقناع الأجيال الفلسطينية القادمة بالتفاوض والتنازل والهروب من الحقيقة والعيش في الأوهام والتنقل من سجن لآخر ومن ضيق إلى صراع.
بالتأكيد أن الظروف التي مرت من عمر الانتفاضة الفلسطينية الأولى وحتى الآن أفرزت العديد من القيادات والتي سوف يكون لها دور قادم في مسيرة النضال وأخذ زمام المبادرة وتسلم الراية والقيادة.
أطفال غزة الناجون من القصف يحملون في نفوسهم حلما خاصا بهم ويشاطرونه باقي أجيال فلسطين للحياة الكريمة والحرية التامة والفرح الحقيقي دون خوف ووصاية من أحد وعلى ثرى الوطن الفلسطيني الطهور.
هي قضايا أجيال حاول الاحتلال قمعها، ولكنها سوف تمشي قدما في الحياة وتحمل أحلامها برجاء ونضال وكفاح وثقة بأن النصر آت، وأن إرادة تتفوق على الدمار والحصار والقتل والتهجير.
الأجيال الفلسطينية قادمة من رحم المعاناة وأمهات العزة والكرامة لا غير.
fawazyan@hotmail.co.uk