لا يكفي أن يحدث تضامن رمزي مع كارثة أهل غزة، من خلال المظاهرات والاعتصامات والوقفات الاحتجاجية في المدن العربية، والعديد من المدن والعواصم في دول إسلامية وإجنبية، وحتى الآن يبدو المشهد في هذا السياق متفاعلاً وبقوة ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل، ورفضاً لحرب الإبادة التي تشنها دولة الاحتلال على سكان قطاع غزة. لكن الخشية أن تتكرر الحالة كما حدث خلال الغزو الأميركي للعراق عام 2003 وقبله خلال عدوان عام 1991، حيث انطلقت تظاهرات حاشدة في مدن عربية وعالمية ما لبثت أن انطفأت جذوتها، وتحول الأمر إلى خبر يومي وحدث روتيني، ثم فرضت قوات الاحتلال نهجها وأجندتها التي نتج عنها كوارث كبرى، ليس في العراق وحده بل على صعيد الأمة العربية.
للتذكير.. فمن بين أسوأ النتائج التي انتجها حصار العراق الذي استمر 14 عاماً حتى بدء الغزو، ما سمي برنامج «النفط مقابل الغذاء» هو برنامج مؤقت سمح للعراق بمقتضاه، بتصدير جزء محدد من نفطه ليستفيد من عائداته في شراء الاحتياجات الإنسانية، وتولت إدارته الأمم المتحدة بما يشبه الوصاية، وتخلل تنفيذه عمليات فساد كبرى ومهد للغزو الأميركي عام 2003!
والخشية أن يتم إنتاج نسخة مشابهة منه لإيصال المساعدات الإنسانية إلى أهالي قطاع غزة بـ'القطارة »، بإدارة الامم المتحدة أيضاً وإشراف أميركي، بدل رفع الحصار المفروض على القطاع منذ 17 عاماً بشكل كامل، وبذلك تتحول القضية إلى عملية إنسانية تقتصر على إرسال الغذاء والدواء والخيم، وتزويد القطاع بالكهرباء والمياه على فترات متقطعة، الأمر الذي يزيد حالة البؤس والفقر والحرمان، فضلاً عن احتمالات وقوع كارثة بيئية!
إن درس غزة وما نتج عن عملية «طوفان الاقصى» يستحق أن يؤرخ بأحرف من ذهب، فقد قلب المعادلات وأحدث هزة هائلة في مفاهيم وثقافة وسياسات عربية وعالمية كانت مترسخة على امتداد عقود عديدة، بينها أن «الكف يمكن أن يواجه المخرز»!، وذلك ينطبق على العملية التي فاجأت فيها المقاومة الفلسطينية العدو وكسرت هيبة جيش الاحتلال، الذي صدق العرب «أنه لا يُقهر» بسبب الحروب الخاطفة التي كان يشنها عليهم وينتصر فيها، حتى في الحروب التي بدا أن العرب حققوا إنجازات عسكرية فيها، مثل حرب تشرين عام 1973 حقق العدو اختراقات أفسدت فرحة الانتصار!
ومن بين دروس هذه المواجهة التذكير بمقولة «ما حك جلدك مثل ظفرك»، وذلك ينطبق على ما سمي «محور المقاومة» بقيادة إيران ووكيلها في لبنان حزب الله، الذي أشبعنا كلاماً وتهديداً ووعيداً وشعارات خلال سنين طويلة، والحديث عن وحدات الساحات والتنسيق المشترك، وعندما دقت ساعة الصفر تركوا غزة لوحدها باستثناء اشتباكات روتينية متفرقة محسوبة بدقة، وتنفذ بعضها فصائل فلسطينية من جنوب لبنان مثل كتائب القسام والجهاد الإسلامي! ومع ذلك نجد بعض محللي هذا المحور يخترعون الذرائع والمبررات المضحة لذلك!
ودون إنكار حجم الكارثة الانسانية المروعة، التي يسببها العدوان الوحشي المتواصل على المدنيين في غزة، التي تطال المستشفيات والمدارس والمجمعات السكنية وكافة مرافق الحياة الأساسية والطلب منهم مغادرة القطاع إلى سيناء، وقطع الكهرباء والمياه عنهم وما هو متوقع في الفترة المقبلة من تداعيات، خاصة إذا وقع الاجتياح البري، فضلاً عن تكدس آلاف الجثث لشهداء العدوان الوحشي حيث يضطر المشيعون على قلتهم بسبب ظروف الحرب أن يدفنوا الشهداء بمقابر جماعية، لكن ذلك كله لم يضعف عزيمة وإرادة أهل غزة وتشبثهم بأرضهم، بل زادهم إصراراً على مواجهة العدوان!
Theban100@gmail.com