يُعد الطلاق العاطفي من أكثر الأسباب التي تهدد الأسرة اليوم، وذلك لأنه يمهد للطلاق الرسمي، ويمثل انذارا صامتا خلف الجفاف والصمت الفعلي بين الزوجين، والذي يرتبط باختلاف الخلفية الاجتماعية، والخبرات، والسن، والمشاعر والعواطف، والذي بدوره يؤدي إلى الفجوة بين الزوجين وربما يصل في النهاية الى الانفصال الرسمي.
فالطلاق العاطفي هو حالة من إنعدام الحب والتعاطف يعيش فيها الزوجان بعيدين عن بعضهما بعضا رغم وجودهما في منزل واحد، ويعيشان في انعزال عاطفي تام، ولكل منهما عالمه الخاص البعيد عن الطرف الأخر، حتى يصبح حضور أو غياب أحدهما عن البيت لا يعني للآخر الكثير.
الرأي تحدثت مع احدى السيدات -فضلت عدم ذكر اسمها- التي وصلت حياتها الزوجية الى مرحلة الطلاق العاطفي بعد تكرار الخلافات مع زوجها، وهم الان في مرحلة يفتقرون فيها للحياة الزوجية والاسرية السليمة، فزوجها بات لا يشاركها الحياة الزوجية ويقيم كل منهما في غرفة منفصلة داخل البيت، كما انهما لا يتشاركان الطعام في ذات الوقت او مع ابنائهما، كما يتجنب زوجها مشاركة افراد اسرته اي نشاط خارجي مثل التسوق او الترفيه.
وروت سيدة اخرى طلبت عدم ذكر اسمها ان وصولها مع زوجها لمرحلة الطلاق العاطفي كان بسبب قيام زوجها بالصراخ خلال نقاش اي موضوع عائلي بينهما، وعدم حواره معها بطريقه سليمة، يتبعه دائما خروجه من المنزل لفترة طويلة، وتكرار تعامله مع اي موضوع عائلي بهذا الشكل لانعدام التفاهم بينهما، بل اوجد نزاعات ومشكلات جديدة ادت لعيش كل منهما حياة منفصلة عن الاخر ولكن داخل منزل واحد.
فما هو تعريف الطلاق العاطفي وما اثر حصوله على الاولاد في الاسرة؟، وهل يمكن تجنبه او التقليل من اثره؟، وما هي مراحل الوصول له....وهل يمكن اعتباره مقدمة او علامة واضحة للطلاق الرسمي.
'الرأي» حملت هذه التساؤلات لاستاذة الارشاد النفسي والتربوي في جامعة عمان العربية الدكتورة سهيلة بنات التي عرفت الطلاق العاطفي بأنه انعدام مشاعر الحب والتعاطف بين الزوجين بالرغم من وجودهما في منزل واحد، فهما يعيشان بعيدا عن بعضهما رغم تواجدهما في نفس المكان، ويعيش كل واحد من الزوجين في عالمه الخاص.
في حين اعتبرت استاذة الارشاد النفسي والباحثة في القضايا الاسرية الدكتورة سعاد غيث ان الطلاق العاطفي هو اخر مرحلة من سوء التعبير عن العلاقة بين الأزواج التي تبدأ بتكرار الخلاف والشجار وسوء ادارة هذه الخلافات، مما يؤدي باحد الشريكين الى فقدان الامل في التغيير فيترتب على ذلك حصول التباعد بين الازواج والذي اصلح ان يطلق عليه «الطلاق العاطفي».
وواضحت بنات ان حصول الطلاق العاطفي يترك اثرا واضحا على الابناء داخل الاسرة، فالعلاقة الايجابية بين الزوجين تعكس حياة سعيدة وسوية في الاسرة وعلى افرادها، اما الافتقار للتعبير عن المحبة والمودة في المنزل التي يجب ان ينمذجها كلا الابوين امام الابناء فيؤدي الى تأثر الابناء لاحقا وعدم قدرتهم على التواصل بمحبة في حياتهم.
وتابعت بنات حديثها: وجود الطلاق العاطفي يؤدي الى حصول مشكلات في الاسرة وبالتالي يؤثر ذلك على الابناء والجو الاسري الذي يعيشون فيه، وربما يؤدي ذلك الى مشكلات نفسية لهم، خصوصا انهم يهتمون ويحبون كل من الام والاب وليس طرفا واحدا، ويتمنون ان تكون الحياة الاسرية سوية وجميلة.
وبينت غيث ان ذلك يؤثر على الابناء، حيث يؤدي تكرار مشاهدتهم لتردي العلاقة بين والديهم، في سوء ادارتهم لعلاقاتهم المستقبلية، ويؤدي الى الانسحاب والميل للصمت معتقدين ان التجنب والخصام هو أفضل وسيلة لادارة الصراعات مع اي طرف بالعالم، ومنحهم اسلوب سيء في التعامل مع الخلافات.
واوضحت بنات ان الابناء يستطيعون تمييز هذا العلاقة الجافة بين الوالدين من خلال قلة التواصل والتفاعل، بالاضافة الى قضاءهما لاوقات كثيرة بعيدا عن بعضهما البعض، او انشغالهما في مهام وانشطة بعيدة عن افراد الاسرة، منبهة ان ذلك ربما يؤثر على تحصيل الابناء في المدرسة وعلى علاقاتهم بأقرانهم، وقد يؤدي لشعورهم بعدم القبول والوحدة.
وفي ردها عن امكانية تجنب حدوث الطلاق العاطفي او التقليل من اثره، رأت بنات انه في حال سعى احد الزوجين للاهتمام بالابناء وتلبية احتياجاتهم ومحاولة ايجاد بعض الايجابية داخل المنزل ربما يقلل ذلك من اثره، رغم انه من الافضل ان يسعى الزوجين لايجاد حلول للمشكلات القائمة بينهما بدلا من البحث عن تقليل اثر الطلاق العاطفي على افراد الاسرة، وان يتعاونا على وقاية العلاقة الزوجية من الانهيار، لافتة ان الطلاق العاطفي هو اكبر دليل على عدم سعادة الزواج، وصعوبة استمراره، لاننا لا نتحدث هنا عن زواج فعلي او حقيقي في هذه الحالة، ولكن نتحدث عن مجرد بقاء الزوج والزوجة في المنزل فقط لادارة شؤون المنزل والابناء على حساب الحياه الزوجية بينهما.
واضافت بنات ان المراحل التي تؤدي للوصول بالعلاقة الزوجية الى الطلاق العاطفي، تبدأ من الاساس الذي تم انشاء الزواج عليه، بحيث يكون زواج غير متكافيء، او زواج مصلحة، او ربما هو زواج سريع، او زواج لم يتم التخطيط له بشكل مناسب، فتظهر اشكال من التواصل غير الفعالة بين الزوجين تؤدي الى هذا الطلاق، بالاضافة الى كثرة النقد او التقليل من قيمة الطرف الاخر او الحديث باستمرار عن الامور السلبية، والضغوطات، والمشكلات، ما يجعل الزوجان يبتعدان ويتلشى تعبيرهما عن المشاعر والحب والمودة لبعضهما البعض.
اما فيما يتعلق في ان يقود الطلاق العاطفي الى طلاق رسمي بينت بنات ان الزواج يجب ان يحمل السعادة والراحة والسكن والاستقرار الذي يبحث عنه كل طرف في هذا الزواج ويسعى له في بداية تفكيره بالارتباط، فعندما لا تتوفر هذه الامور في العلاقة يمكن ان يتحمل احد منهما او كليهما هذا الوضع لبعض الوقت لكن عندما يستمر هذا الامر لفترة زمنية طويلة يفقد كل منهما او احدهما الشعور بحاجته لهذه العلاقة.
ونبهت غيث ان الوصول الى مرحلة الطلاق العاطفي بين الازواج هو مؤشر خطير جدا على أن العلاقة لم تعد مهمة، ويمكن التضحية بهذه العلاقه في وقت ما، وانها مقدمة للطلاق الرسمي، لافتة الى ان خصوصية العلاقة في البيوت العربية ربما يؤدي الى بقاء الزوجين تحت سقف واحد دون انفصال حقيقي لفترة زمنية طويلة تحت ضغط العادات الاجتماعية التي تعادي وصولهما الى الطلاق الرسمي.
يذكر ان الاحصاءات الصادرة عن دائرة قاضي القضاة تظهر ان اجمالي اعداد الطلاق المسجلة في المحاكم الشرعية في مختلف محافظات المملكة خلال العام 2022 بلغت 26756 حالة طلاق وهذا يدل على حجم المشكلة التي يواجهها المجتمع، والتي قد تكون احد الأسباب الأساسية نتيجة للطلاق العاطفي الصامت الذي لا يوجد احصاءات رسمية حوله.