كتاب

الرئيس الحاقد

يظهر دائما كرجل متمدن، ولكنه أبعد ما يكون عن تلك الصفة، فهو يفح كالأفعى في كل مناسبة لانتقاد الأديان، إنه يعشق العلمانية ويتشدد مع أصحاب الأديان، ربما قليلا يميل إلى المجتمع اليهودي، لأن سلطة اليهود في الغرب أعمق تأثيراً على سياسات الجمهوريات المحابية لهم، ذلك هو ماكرون، رئيس لا يفوت الانتقاد للمتدينين، ولكنه يركز جهداً كبيراً لمنع أي معَلم إسلامي وينتقد لباس النساء المسلمات، وآخر مستجداته هو الإيعاز للمسؤولين بمنع ارتداء الطالبات من الديانة الإسلامية في المدارس أي لباس يغطي شعرهن أو لباس طويل يستر عوراتهن، فهل هذا رئيس وشارل ديغول رئيس؟!

لقد عاد ماكرون لذات النغمة العنصرية بمنع ارتداء المسلمات اللباس الطويل، وأفصح إنه لا ينبغي ترك المعلمين ومدراء المدارس يواجهون بمفردهم الضغوط أو التحديات القائمة بشأن هذا الموضوع، مشدداً على أن ما أسماهم «فرسان الجمهورية» لديهم الحق في الدفاع عن العلمانية وعليهنا أن نبدُي تأييدنا لهم عندما يتعرضون «للتهديد والضغط»، مؤكدا أن «الدولة والجمهورية تقفان وراءهم»، داعيا في الوقت نفسه إلى اتباع الحزم لضمان الالتزام بقرار المنع، محذراً من أي محاولة لتحدي النظام الجمهوري فعلينا أن نكون حازمين.

كما خرج وزير التربية الفرنسي «غابرييل أتال» في مذكرة إلى رؤساء المؤسسات التعليمية، أكد فيها أن ارتداء العباءة والقميص الطويل «يعبر عن انتماء ديني في البيئة المدرسية ولا يمكن التسامح معه فيها» مضيفاً أن في المدارس الثانوية أو الكليات الأكثر حساسية، سيتم فرز موظفين محددين للعمل بجانب مدراء المؤسسات والمعلمين لدعمهم وكذلك للمشاركة في الحوار الضروري مع العائلات والطلاب»، هل هذه فرنسا التي يلهث الجميع خلفها الجميع، ويحلمون بالموسيقى والتنوير والعلوم الذي سرقوها من كتب المسلمين القدامى، عندما كانت باريس تعجّ بفضلات بطون البشر والتبول، حتى عجتّ باريس بالأمراض؟!

في مقابل ذلك نرى أن هناك من الأحزاب والمنظمات في فرنسا لديها رأي آخر حفاظا على التركيبة السكانية والمجتمعية، فقد أثار إعلان حظر ارتداء العباءة جدلاً واسعاً في أوساط المجتمع الفرنسي، خصوصاً بين اليسار، إذ توعد حزب «فرنسا الأبية» الطعن في القرار أمام مجلس الدولة.

هنا ينسى الرئيس أنه خرج للتو من أفريقيا مطروداً، بعد قرون من استعمار تلك القارة المظلومة، وينسى كيف قاد آباؤه السياسيون وتجار البشر ملايين المستضعفين من البشرة السوداء كعبيد حملتهم السفن نحو أمريكا و فرنسا، واليوم باتت دول العالم الأفريقي تتحلل من عقدة الذيلية التي جثمت على تاريخهم الأسود، فكيف يعالج رئيس الدولة التي يتبجح بعلمانيتها تأطير المجتمع وإدماجه، خصوصا بعد الانتفاضات التي روعت باريس ومدن أخرى بعد مقتل شاب بدم بارد، تبع ذلك رُعب لا تزال شعلته تتأجج.

ما الذي يريده حزب ماكرون؟ هل يريدون أن ترتاد الطالبات أو الموظفات من المسلمات أو الملتزمات من الديانات الأخرى مدارسهن أو أماكن أعمالهن بلباس البحر، ألم يحظر ماكرون نفسه ارتداء اللباس الشرعي الخاص بالسباحة قبل عام مضى؟! أم أنه نسي أن هناك جيلاً جديداً قد صعد نحو عالم أرحب كي يميزوا بين ما يرونه من انحدار إخلاقي أكان في عالم السياسة أو المجتمع، يقابله طيف كبير من الشعب الفرنسي لا يرون في لبس العباءة أو لباس البحر أي فرق، فتلك هي الحرية التي تربى ذلك الجيل حتى أصبحوا كهولاً، وليس معيار الدولة العلمانية التي تحتكر الحرية المنصوص عليها، حتى في الولايات المتحدة لا أحد يمنع أي شخص من ارتداء ما يريده.

أما عالمنا الإسلامي، لا صوت له سوى التنديد بحرق المصحف، وقليل منهم يقرأونه، و يحافظون على قيم المجتمعات بجدولها الشرقي، أما فرنسا ماكرون فسياتي لها يوم ستتفكك مجتمعياً، خصوصاً بعد صحوة دول أفريقية أعاد العسكر فيها هيبة بلادهم التي سيطرت عليها باريس.

Royal430@hotmail.com