هنالك ثلاث عمليات مختلفة، لكنها مُتّصلة ومُتكاملة، يجب أن تقوم بها المؤسسة، صغرت أم كبرت، لتكون في وضع صحي يُمكّنها من مواكبة المستجدات، وأداء المطلوب بجودة وفاعلية.
ويُمكن إجمال العمليات الأساسية الثلاث في الآتي: الإدامة والتطوير والتّجميل.
أما الإدامة فتتمثل في صيانة الأجهزة والمُعدّات والمرافق باستمرار، ووفق آليات وبرامج دورية، من أجل منع أي خلل مفاجئ، أو حادث لا تُحمد عاقبته؛ ومن أجل ضمان ديمومة وصلاحية وفاعلية الأجهزة والمعدات والمرافق.
أما التطوير فيتمثّل في تبنّي كل ما هو جديد ومُجرّب من أنظمة وسياسات وتعليمات ومبادئ علمية أو معرفية وآليات عمل وممارسات عالمية فضلى، تُنفّذ وفق خطط استراتيجية دقيقة وبرامج تشغيلية وتنفيذية مُحكمة تقوم بها فرق كفؤة في مدد زمنية مُحددة، تحقيقاً لنتاجات محسوسة ملموسة الأثر، تُضاهي أفضل ما في العالم.
والتّحديث عملية واسعة تشمل كافة أبعاد الأداء، أتمتةً ورقمنةً (وبالذات الآن في عصر الثورة الصناعية الخامسة) وتطويراً للموارد المالية والبشرية والأنظمة والآليات والطرائق والأساليب والخدمات.
أما التجميل، فيتصل بالبُعد الفني أو «الجمالي»، والذي لا يقلّ أهمية عن البُعدين السابقين، لأن الناس بطبعهم يميلون إلى كل ما هو نظيف وأنيق وجميل، وينفرون من كل ما هو عكس ذلك.
ولعلّ أوضح مثال نضربه للتدليل على العمليات الثلاث، مثال السيارة. فصيانتها أساسية تتم وفق برنامج دوري مُحدد ضماناً للديمومة ومنعاً للأعطال. وتطوُّرها يتضح من خلال سمات الأداء القوي السلس السهل القائم على مبدأي الأتمتة و'الذكاء». وأهمية أناقتها وجمالها لا يجادل فيها اثنان.
وهنالك أمثلة أخرى غير السيارة، نتركها لخيال القارئ.
النقطة المهمة هنا أن المؤسسة الناجحة هي التي تكون العمليات الثلاث مجتمعة ومتحققة فيها؛ أما تلك التي تفتقر لواحدة أو أكثر فهي إما منقوصة أو مقصّرة.
والسؤال الجوهري الذي يجب أن نجيب عليه بصراحة، وتجيب عليه كل مؤسسة على حدة: هل العمليات الثلاث متحققة في مؤسساتنا، وهل هي متحققة بنفس القدر؟
وحقيقة، فإن المراقب الموضوعي واللصيق لأداء مؤسساتنا يجد الآتي:
أولاً، هنالك قلة قليلة جداً من مؤسساتنا تتحقق فيها الأبعاد الثلاثة مجتمعة، ولا نبالغ إذا قلنا إن النسبة لا تتعدى 5% -10 % في أحسن الأحوال، وخاصة بالنسبة للقطاع العام.
ثانياً، هنالك العديد من المؤسسات يتحقق فيها العامل الثاني (أي التطوير)، لكن العامل الأول (الإدامة) يكاد يكون مهملاً؛ إذ تجد أن العديد من مرافقها آيل للسقوط. وهذا أمر مُحزن وخطير.
ثالثاً، عدد لا بأس به من مؤسساتنا يفتقر إلى عمليتي الإدامة والتطوير، ويحاول التغطية أو التورية من خلال أبعاد «زخرفية» استعراضية، مادية أو معنوية، مبعثرة هنا وهناك. وهذا أمر يجب أن لا يُقبل تحت أي ظرف.
رابعاً، إذا كان لا بد من التضحية بعملية ما (من باب الضرورة القصوى) فربما نضحي بعملية التجميل، على أن يتحقق بُعدا الإدامة والتطوير معاً، فهما الأساس.
وبعد، فلا بدّ من عملية تقييم جادة، داخلية وخارجية، لمؤسساتنا للوقوف بدقّة على علاقتها بالأبعاد الثلاثة موضع الحديث؛ سيّما وأن تطّور مجتمعنا لا يمكن أن يتحقق دون تطوّر مؤسساته.