ما لم يقله الساسة - الذين فتحوا نوافذ الموت في غير مكان من هذا العالم المشتبك مع نفسه- قاله العسكري الذي أنهى وجبة القتل في واحد من شوارع الفلوجة: «نحن هنا فقط لنعلّم الناس كيف يقضمون شرائح الهامبرجر، و يلتهمون دجاج كنتاكي المقلي». و أضاف الجندي المحتقن ابتهاجا: «انظروا. لم نذهب إلى البلدان التي يتناول شعوبها دجاجنا بشهية عالية». هكذا إذن ؟ الدجاج و الهامبرجر هما أساس الحرب لأنهما يشكلان نمطا سلوكيا و استهلاكيا للمجتمع الأميركي التي تحاول إدارته أن تعمم منظومة قيمه، ليتوحد الناس في مختلف مدن العالم و قراه و مضاربه، و يصطفون أمام النوافذ المظللة، ليحظى كل بوجبته مثل أن يأوي إلى كرسي ضيق في زاوية بعيدة و يبدأ بالتهام المائدة الجافة، بينما يراقب بعينين جاحظتين شاشة تعرض عملية سطو مسلح في وضح النهار على بنك في شارع مكتظ بالمارة و الباعة و المتسولين، أو يتابع طائرة تلقي جحيمها بشكل فجائعي على رؤوس أطفال و نساء و شيوخ، تلتصق أشلاؤهم بمعدن الشظايا المنصهر على العتبات، مثل أن تتصاعد رائحة اللحم المشوي.
ببساطة متناهية، فإن على الشعوب التي تريد أن تنأى بنفسها عن الغزو، أن تمارس فعل الالتهام كي تنتهي مبررات الغزو، و يبتعد عن أبنائها شبح الموت و الفناء.
و لأن هذا (الفعل السلوكي) يشكل قيمة بديلة لقيمة إنتاجية فإن تكريسه يمثل غاية متوخاة و نهاية لا بد من بلوغها لأن ذلك يعني الإطاحة بسائر الثوابت و المفاهيم التي تحول دون ممارسته، و بهذا تكون عملية التفريغ المبرمج للوجدان الشعبي قد آتت أكلها على خير مقام و أتم وجه.
إن ترويع الشعوب و استعمارها إلى أي أمد لن يقود إلى إحداث الشروخ المطلوبة لاقتلاعها من جذورها، و إقصائها عن ينابيعها الأولى، فلا بد من إجراءات جراحية يتم بها استئصال كل الأجهزة الرافضة لثقافة الاستهلاك ولا بد من اغتيال الروح و تحجير النفس و ترويضها على ما يراد لها ليصبح جزءا منها، متأصلا فيها، و معبرا عن خصائصها المكتسبة التي يجري توريثها دون التفات لأصولها، لأنها تبدو أصلا قائما في أصالته و يأخذ حيزا على الخارطة الجينية المورثة لهذه السلوكيات و المظاهر التي تصاحبها أو تتفرع عنها.
Migdados`[email protected]