تواجه الحكومة الحالية برئاسة د. بشر الخصاونة تحديات كبيرة على المستوى الداخلي لم يسبق لحكومة أردنية أن واجهت تحديات بهذا الحجم وهذه التعقيدات، وذلك لعدة عوامل، أهمها شمول هذه التحديات كافة آقاليم المملكة ومحافظاتها ومختلف القطاعات الحياتية والخدماتية فيها، في ظل أزمات أقتصادية كبيرة دولية وإقليمية، وأزمات وصراعات عسكرية وحروب قائمة حالياً واخرى متوقعة مستقبلا بعدة مناطق ساخنة في العالم ومنها وأهمها منطقة الشرق الأوسط ودول الإقليم المحيطة بالأردن.
بداية، نؤكد هنا على أن أي حكومة محترمة تكسب الاحترام وثقة شعبها في العالم، تعمل وتفهم أن وظيفتها الاساسية وواجبها الرئيسي هو تسهيل حياة الناس والشعوب وتذليل الصعوبات المعيشية المعيقة لحركة حياتهم، والالتزام بالحقوق الاساسية للانسان وتأمينها والمحافظة عليها، وأن هذا أول مبدأ من مبادئ الحكم الرشيد للحكومات في العالم المتقدم والمتحضر عبر التاريخ السياسي للدول، والذي ما زال يذكر بكل فخر زعامات الشعوب التي صنعت مجداً وحضارة ورفاهية لشعوبها، وسهلت عليهم سبل حياتهم وتحقيق أحلامهم.
أما أهم الأولويات الاساسية من حكومة الخصاونة على المستوى الداخلي فهي: مشكلة البطالة بين الاجيال الجديدة وإمكانية السيطرة عليها ومحاصرتها ووقف تفاقمها ورفع سقف تقيم «غير ممكن» لمعالجتها الى تقيم «ممكن»، والتركيز على ايجاد التمويل والدعم اللوجستي لغايات التنفيذ.
يتصدر بدون منازع تحدي البطالة، وخاصة الشباب جميع التحديات الاخرى، حيث وصلت نسب البطالة في بعض الدراسات لبعض الفئات إلى أكثر من ٧٠% لفئة الاردنيات الجامعيات وأكثر من ٣٠٪ بين الذكور، وهذا أمر مزعج، لم يسبق مواجهته.
من الناحية الموضوعية أنه لمن غير الممكن في ظل الظروف والمعطيات الحالية إيجاد حلول وفرص عمل لهذه الأعداد الضخمة من الأردنيين، ولكن هل تتمكن الحكومة من إنجاز غير عادي لجعل غير الممكن ممكنا؟ بالتأكيد يتطلب هذا الموضوع من الحكومة جهداً كبيراً يركز على ثلاثة محاور: أولها تسهيل جذب فرص استثمار عربية ودولية واسعة للأردن وبتسهيلات متقدمة عدة درجات على الدول المجاورة، دون وجل أو خوف. وثانيها تنفيذ سياسات تطوير التعليم المعلن عنها وخاصة نوعية التخصصات والتعليم المهني بشجاعة وإقدام. وثالثاً تنفيذ سياسات الإصلاح الادا?ي والسياسي والاقتصادي بالرؤية الملكية دون تردد أو تباطؤ متعمد بتأثيرات من ما يسمى بالحرس القديم المناوئ للإصلاح، والانطلاق بجرأة القيادة الواثقة وغير المرتجفة في اتخاذ وتنفيذ القرار.
في هذا الإطار جاءت حوارية رئس الوزراء مع الشباب في الجامعة الأردنية نهاية الأسبوع الماضي من حيث الشكل والمضمون، مبادرة غير تقليدية للرئيس، ولم تكن مقتصرة على قضايا الشباب بل سلطت الضوء على النظرة المستقبلية للحكومة في برامج الإصلاح والتحديث والتطوير العام في الدولة التي حددتها الرؤية الملكية التي يريدها الملك.
إن الارتفاع من «غير الممكن» إلى «الممكن» في فن الحكم يتتطلب أيضا رفع نسبة التنسيق بشكل أساسي بين الحكومة ومختلف مؤسسات الدولة، ودفن كل التناقضات المحبطة بين بعض الجهات، واستثمار الحكومة لإنجازات المؤسسات الناجحة العامة والخاصة لخدمة تنفيذ السياسات الحكومية الإصلاحية، واعتقد أن مثل هذا المتطلب يحتاج وجود جهة مختصة تساند الرئيس الخصاونة في تنفيذ سياسات التنسيق المهمة للغاية، في إنجاح تنفيذ قرارات الحكومة من سياسات عامة على مستوى آقاليم المملكة، وعلى مستوى مناطقي في المحافظات تغطى وتتابع وتحدد حالات التعثر ال?داري وعدم العدالة، والجهات المسؤولة عنها بكل حيادية مطلقة إلا مصلحة الوطن والمواطن على أي شبر من الأرض الأردنية.
إنجازات وإيجابيات هذه الحكومة محدودة ومن اهم هذه الايجابيات هي أن رئيسها لا يبحث عن الشعبيات المجانية، لا بل أنه لا يتردد في محاسبة أو اعفاء بعض الوزراء من الحكومة بكل جرأة ويتضح ذلك من خلال ٥ تعديلات على حكومته في أقل من ثلاث سنوات من عمرها، واعتقد أن الخصاونة فقد عدد كبيراً من معارفه بسبب صلابته وصرامته المهنية.
إن القدرة على جعل غير الممكن ممكن في الاصلاح وتقدم الدولة الاردنية، كان أحد أهم مضامين مرتكزات كتاب التكليف الملكي للرئيس الخصاونة وفريقه الوزاري، وتعويل جلالته على أن الأخلاص والمصداقية والإصرار على النجاحات والإنجازات ممكنة التحقيق، وهي من شيم الرئيس والأردنيين بشكل عام.
