تحلّ هذه السنة ذكرى مئوية الاستقلال الأول في 15 أيار 1923، آنذاك أُقيم حفل رسمي شارك فيه رجالات الأردن وفلسطين والسير هربرت صموئيل ومعه الجنرال كلايتون الذي يعمل في المكتب العربي في القاهرة، وألقى الأمير عبدالله المؤسس خطبة طويلة استهلها بمقدمة تاريخية عن مجد الأُمَّة العربية وما أصابها في عصور لاحقة من تهميش وغياب للحقوق، قال فيها: «فوقعت النهضة العربية المباركة على يد من اختاره الله سبحانه وتعالى قوَّامًا لها وقائدًا لأمورها»، مُشيرًا إلى نهضة الشريف الحسين بن علي لأجل قيام الدولة العربية، وَمُتَحَدِّثًا?عن مفاوضاته مع ملك بريطانيا، مثمنًا اعترافه باستقلال هذا القسم من المملكة العربية، وَمُؤكِّدًا أنَّ الحكومة ستشرع بتعديل قانون الانتخاب ووضع القانون الأساسي لشرق الأردن.
كان العام 1923 بداية للتحديث السياسي الذي التزم به الهاشميون تجاه دولتهم ومجتمع حتى اليوم، الذي نستذكر فيه الذكرى السابعة والسبعين للاستقلال التام عام 1946؛ حيث بدأت آنذاك المساعي الأميرية للتأسيس للحياة البرلمانية التي آتت أُكُلَها في 16 نيسان 1928 بإقرار القانون الأساسي ثم إجراء الانتخابات الأولى للمجلس التشريعي الأول، وصدر أول قانون انتخاب في ذات العام الذي بدأت به المجالس التشريعية قصة التحوُّل والتحديث السياسي الأردني، التي قادت بفعل إصرار الأمير المؤسس إلى الدفاع عن حقوق الأردنيين، وبفعل مطالب الحركة?الوطنية والأحزاب السياسية إلى إنجاز الاستقلال التام.
والاستقلال الناجز له قصة ومحطات أردنية طويلة؛ إذ بدأت بشائرُهُ تهلُّ على أرض الأردن مع أواخر آذار عام 1946؛ حيث تناولت جريدة الجزيرة في عددها 1105 خبرَ المعاهدة الأردنية البريطانية الموقعة في 22/3/1946، التي تشير إلى انتهاء عهد الانتداب البريطاني وظهور شرقي الأردن بِوَصفِهِ دولة مستقلة.
وجاء في العدد 1107 من الجزيرة خبرُ عودة جلالة الملك المؤسس (الأمير آنذاك) إلى أرض الوطن قادمًا من لندن مارًّا بنابولي ومن بعدها إلى مطار اللد ومنه إلى عمّان في يوم الخميس 28/3/1946؛ حيث رصدت الجزيرة تفاصيلَ ذلك الحدث والاستقبالَ الرسمي والشعبي الذي حظي به سموّه آنذاك.
وقد ذهب مركز التوثيق الملكي الأردني الهاشمي إلى استنطاق الرواية الشفوية الحاضرة في هذه المناسبة الجليلة، من خلال مقابلة معالي الدكتور زيد حمزة، الذي شارك في احتفالية يوم الاستقلال وكان من مؤدّي النشيد الوطني وهو ابنُ أربعةَ عشرَ ربيعًا.
فضلًا عن ذلك عاد المركز إلى المرويات الأدبية من خلال عبد الرحمن منيف، الذي وَثَّقَ تلك اللحظة بصورتها الأدبية في كتابه سيرة مدينة–عمّان في الأربعينيات.
وإلى جانب هذا فإنَّ برقيات التهنئة والتبريك التي صدرت عن قادة الدول والأعيان ورؤساء البلديات والأقضية والألوية التي حملت في طيَّاتها مشاعرَ الفرح والسرور الصادقة تكشف عن التفاعل الوطني والعربي مع مسألة الاستقلال التي اعتبرت أهمَّ إنجازات الملك المؤسس في سبيل بناء الأردن المعاصر.
وفي الختام، نأمل أنْ يكون هذا المنشور مُعَبِّرًا وناقلًا للصورة الحيَّة التي عاشتها البلاد في تلك الحِقبة التاريخية المهمَّة.