يحتفلُ الأردنيون في الخامس والعشرين من شهر أيار من كُل عام بذكرى الاستقلال الخالدة، وفي هذا اليوم تتجددُ في نفوسنا مَعاني الاعتزاز والفَخر، وتتعمقُ المسؤوليات والواجبات نحو الوطن، وصونِ مُكتسبات الاستقلال، وحماية مُنجزات الوطن ومؤسساته ومُقدّراته، كما ويتطلعُ الاردنيون في هذه الذكرى بعين العّزم والثقة نحو المُستقبل الأفضل، الذي يقودُه القائد المُلِهم جلالة الملك عبدُالله الثاني ابن الحُسين حَفظه الله، مُستذكرينَ بذات الوقت تاريخاً مُشرِّفاً صنعُه الهاشميونَ وحَماهُ الأردنيون، وسَيّجوهُ وحافظوا عليه بأهداب العُيون ليبقى الوطن حُراً سيّداً كريماً وليبقى التاج الهاشمي وضاءً على الجباه العالية.
إن فَرَحَنا بالاستقلال يُطالبنا بالكثير من الواجبات أبرزها أن نكون أمام مسؤولياتنا والتزاماتنا تجاه الوطن، ومُواصلةِ مَسيرة البِناء والعَطاء والإصرار على الانجاز، وتقديم الأردن أنموذجاً يُمثل الدولة الحضارية والحداثيّة، التي تستمد قوتها من تعاضُد أبناء شعبها، وارتكازهم على الثوابت الوطنية والمبادئ والقيّم الراسخة بدءاً من الثورة العربية الكبرى مروراً بمسيرة الخير والعطاء في عهد الملك الباني وصانع الاستقلال المغفور له الملك الحُسين طيب الله ثراه، ووصولاً إلى ما نشهدُه اليوم وما نَجنيه من ثمار الاستقلال في عهد الملك المُعزز عبدالله الثاني ابن الحسين، الذي يؤمنُ بالشباب ودورهم في بناءِ مُستقبل وطنهم، وثقته بعزيمتهم وقدرتهم على تحقيق أعظم الإنجازات، حيثُ أكدّ جلالتُه على هذا الدور في خطابه للأسرة الأردنية الواحدة بمُناسبة عيد استقلال المملكة السادس والسبعين بقوله: «فالأردن الجديد، سيكونُ مُلكاً للأجيال الشابّة، وهي التي ترسم له معالم الطريق، بقوة طموحها وعلمها، والانفتاح على المُستقبل وحركة التطور العالمية، التي لا مكان فيها لشعب يتخلف عن ركبها»، من هُنا فالاستقلال عَمل وبناء يُترجَم إلى سلوكيات إيجابيّة تُعلي وتعظّم معاني الاستقلال في النفوس، وتُجذِّر قيَمهُ النبيلة، فالوطن يحتاج مّنا جميعاً أن نمارس الانتماء أفعالاً لا أقوالاً وتطبيقاً عملياً ينفع الانسان، فالوطن ومصلحته وبقاؤه ونماؤهُ هو الهدف الأسمى لنا جميعاً وعلينا المحافظة عليه.
وفي مقام احتفالاتنا بالاستقلال ونتاجاته وثماره لا بُدّ لنا من الإشارة بكُل فخرٍ إلى ما حققته المملكةُ من الإنجازاتِ الوطنيةِ التراكُمية على كافة الأصعدة ونخُص هُنا قطاع التعليم العالي، الذي نحنُ جزءٌ منه في جامعة اليرموك، إذ كان اهتمامُ جلالة الملك المُعزز بترسيخ مُكتسبات هذا القطاع استكمالاً لنهجٍ هاشميّ مُتوارثٍ باعتباره سبيلًا مُوازياً ومُكمّلِا لقطاع التربية والتعليم في بناء الإنسان الأردني، وقد تجلّى هذا الفكرُ الهاشمي، من خلال توفير كافة مُتطلبات البناء لمؤسسات التعليم العالي المُتمثلة في الجامعات والمَعاهد الجامعية، ودعمها من خلال رفدها بالكوادر العلميّة والفنيّة المؤَهلة، إلى جانب تحفيز الباحثين والمُبدعين للانطلاق نحو مساحة أكثرَ رَحابة من الإبداع والتجديد.
أما جامعةُ اليرموك أحد أهم جامعات الوطن ودُرّة جامعات الشمال فاحتفاؤها بالاستقلال هو احتفاءٌ يُترجَمُ من خلالِ مُنجزاتها التي تسيرُ قُدُماً في كافة المسارات سواءً على مستوى التطوير الأكاديمي، أو البحثيّ، أو الخدمي للمُجتمع المُحيط بها، والانطلاق إلى المُجتمع العربي الكبير، فضلاً عن مساعيها الدائبة والطموحة نحو العالمية، في جهود جادّة وحثيثة في مجال التجويد ومُتابعة كل ما هو جديد يُجاري الركب والتطور الحضاري والتكنولوجي والعلمي، ومتابعة التميّز في حقول المعرفة لترفعُ اسم الوطن عالياً عبر مُنجز مُستدام وإرثٍ طويل راسخ، وقد خَطَت اليرموك منذُ تأسيسها خُطواتٍ واسعةً على صعيد كُلياتها وبرامجها الأكاديمية ومراكزها البحثية، خطواتٍ ثابتة تُواكبَ احتياجات المجُتمع الأردني والسُوق العربي والإقليمي، كما اختطّت مَساراً عملياً للتعبير عن نفسها فكان مُرتكزها الأول هو الاستثمار بالإنسان وأهمه (الطالب) وآليات الارتقاء به وبتعليمه النوعيّ وفِكرِه ووعيه فما كان منها إلا أن تُفعّل عدداً كبيراً وواسعاً ومُستداماً من برامج التمكين والريادة الخلّاقة، في كافة المسارات مُستلهمةً الرؤى الملكية الداعية إلى تمكين فئة الشباب وإنمائها على المُستويات البشرية والفكرية والإبداعية والتركيز على إشراك الطالب بالمشروعات الريادية والإبداعية والانطلاق خارج أسوار الجامعة وقاعاتها المغلقة إلى المجتمع الخارجي وفضاءاته ليكون الطالب شريكاً حقيقياً في عملية البناء والتنمية، وكذلكَ بنّاءً مُندمجاً في الحياة العامة لتأهيله خوض غِمار سوق العمل بكفاءة واقتدار.
وقد حَققت جامعة اليرموك إنجازات كثيرة مؤخراً منها على سبيل المثال لا الحصر حصولها على تقييم «الخمس نجوم» في نظام التقييم العالمي QS Stars للجامعات من «أول مرة» تتقدم فيها لهذا التقييم، ويعكس هذا الإنجاز تميز «اليرموك» في تحقيق معايير التقييم العالمية التي تعتمدها تلك المؤسسة لتقييم أداء الجامعات حول العالم، كما سجلت كلية الآثار والانثروبولوجيا إنجازاً أكاديميا مُتميزاً، وفق تصنيف «كيو أس» العالمي للجامعات، بوصولها إلى الترتيب 201-240 على مستوى جامعات العالم في تخصص الآثار، ولتكون بذلك الأولى على مستوى الجامعات الأردنية في هذا التخصص، فضلاً عما حققته صيدلة اليرموك بحصولها على الاعتماد الدولي الأمريكي ACPEمن انجاز مُتميز، وحصول كلية السياحة والفنادق على شهادة الجودة العالمية للتعليم العالي للسياحة Tedqualالمُعتمدة من قبل منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة للمرة الثانية على التوالي للأعوام 2020-2023، يُضاف لذلك العديد من الإنجازات في مجالات المشاركة في المؤتمرات العالمية، والنشر العلمي والفوز بعدد كبير من المشاريع الدولية، والجوائز العربية والدولية، بهمّة أعضاء الهيئة التدريسية وطلبة الجامعة.
وفي خِضّم الحديث عن فرح الاستقلال فإنه من دواعي السعادة والغِبطة والفَرحة الغامرة، أن تتزامَن هذه الذكرى الغالية على قلوب الأردنيين والأردنيات مع غمرة احتفالاتهم وأفراحهم بزفاف سُمو ولي العهد الأمير الحُسين بن عبد الله الثاني حفظه الله -أمير الشباب وصوتهُم النابض بالعزيمة والحَماس- ففي هذه الأيام يفرحُ الأردنيون لأميرٍ هاشميّ عربي يُعبر عن شباب الوطن المتُميز، أميرٌ ينادي في كافة المَحافل الدولية بضرورة تمكين هذه الشريحة واستثمارِ طاقاتها وتفعيل دورها المحوري في بناء الوطن ويعتبرُها أهم أدواتُ التغيير وجوهره.
وفي الختام الاستقلال إنجازٌ عظيم ومُنجزٌ كبير نُبارك فيه للوطن وللشعب الأردني وللقائد المُفدّى صاحب الجلالة الهاشمية المَلك عبد الله الثاني ابن الحُسين المُعظّم حفظه الله وأعز مُلكه، الذي نعاهده دوماً وأبداً بأن نكونَ جنوداً أوفياء مُخلصين نذودُ عن حِمى الوطن ونفديه بالمُهج والأرواح ونترجم رؤاه في مواقع العمل والبناء مخُلصين لهذا الثرى المُبارك على الدوام، كما نباركُ لولي العهد الأمير الحُسين بن عبد الله الثاني العَضد والساعد لسيّد البلاد وكُل عام والوطن بأفراحٍ ومسرّات.
رئيس جامعة اليرموك