في وقت تتواصل فيه جهود عربية حقيقية لتوفير أجواء ومناخات ملائمة, لإنجاح قمة الرياض في التاسع عشر من الشهر الجاري, والتي كان اجتماع عمان «الخُماسي» أحد أبرز الخطوات الأردنية/ والعربية الداعمة للمتغيّرات الدراماتيكية, التي أحدثتها «المُصالحات» الإقليمية.. فضلاً عما تضمنه «بيان عمّان» من إشارات ورسائل مُتعددة في اتجاهات مُختلفة, ما اعتبره مراقبون بداية سياسية لحل الأزمة السورية, وبخاصة في تأكيد وحرص عربيّين على وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها وتخليصها من آفة الإرهاب وتنظيماته.
في خضم مشهد ايجابي كهذا.. تبرز في الأثناء محاولات محمومة بعضها معُلن وغيرها يتم العمل عليها في الخفاء, بهدف إعادة «تنشيط» منظمات وخلايا إرهابية مدعومة من دول وأجهزة حاضنة إقليمية وأخرى غربية, ونقصد هنا جبهة تحرير الشام (النُصرة سابقاً).. بما هي احدى أذرع تنظيم «القاعدة» الإرهابي والتي يرأسها «أبو محمد الجولاني».
وإذ حاولت «المُعارضات'السورية التي أفل نجمها وبات إفلاسها السياسي ظاهراً ومُدوّياً, بدلالة انهيار كل البنى والمؤسسات (الوهمية كما يجب التذكير) التي اقامتها لها عواصم غربية وإقليمية, إنتظمت في ما سُمي ذات يوم «أصدقاء الشعب السوري', مثل المجلس الوطني والحكومة المؤقتة والإئتلاف, وغيرها من التسميات وما تفرّع عنها من كيانات أخرى لم تجد في الآونة الأخيرة, خصوصاً بعد استعادة غالبية العواصم العربية علاقاتها مع دمشق, وبروز مؤشرات على إحتمال مشاركة سوريا في القمة المقبلة, قامت على إثرها المعارضات بحملة إعلامية واصدا? بيانات تدعو الدول العربية إلى عدم «تطبيع» علاقاتها مع دمشق, كالبيان الذي دبّجه رهط من هؤلاء يتقدمهم السوري/الفرنسي برهان غليون, ورياض حجاب الذي ما يزال يُصنّف بأنه رئيس وزراء سابق, وغيرهما ممن باتوا منذ سنوات عديدة في تقاعد سياسي. ثم أضيف إلى هؤلاء يوم الثلاثاء الأول من أيّار الجاري (يوم إنعقاد اجتماع عمان الخماسي) ما سُميّ «المؤتمر السوري لرفض التطبيع مع النظام السوري», والذي نظمه معارضون في مدينة «الراعي» بريف حلب الشمالي (المُلاصقة للحدود التركية), وهنا يصعب تجاهل هوية وأهداف مَن وقف خلف تنظيمه, كمحاول? لإحياء «رميم» المعارضات, إذ عُقد بوجود ممثلين عن «الائتلاف المُعارض والحكومة المؤقتة والمجلس الإسلامي السوري ومجلس القبائل والعشائر السورية وفعاليات ثورية» (على ما تم نشره). وقد «التقى» هؤلاء في دعوتهم هذه مع ما جاء في بيان غليون/حجاب.
ماذا عن تهديدات «الجولاني» بقلب الطاولة؟.
وإذ لم يلتفت أحد إلى «الضجيج والمشاغبات» السياسية والإعلامية الهابطة هذه، فإن ما أدلى به زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، من تصريحات وتهديدات ووعيد, خاصة قوله: «لن يكون هناك حلّ سياسي في سوريا، لا على المدى القريب أو البعيد», مُضيفاً أنه «يمتلك القدرة على قلب الطاولة». يدفع للإعتقاد أن تعليمات قد صدرت من جهة «ما», لإشعال الساحة السورية, كمحاولة أخيرة ويائسة لـِ«احباط» المساعي المبذولة لتنقية الأجواء العربية.
وإلاّ كيف يمكن لزعيم تنظيم يُسيطر بشكل شبه تام بل ربما كُليّ, على محافظة إدلب وبعض ريفها ويتوفّر على ترسانة عسكرية مُعتبرة, تم تزويده بها من قبل دول إقليمية وغربية, وخصوصاً بوجود الجيش التركي المُحتل لمناطق في شمال سوريا ومن ضمنها إدلب, بعد أن قام (الجولاني) بتصفية معظم التنظيمات الإرهابية التي «تجمّعت» في ادلب المحافظة والريف, وبات هو زعيم التنظيم والحاكم الأوحد لتلك المحافظة السورية؟. وهل يمكن لـِ'الجولاني» أن يتّخِذ موقفاً كهذا, دون أن يحظى بضوء أخضر من الدولة «الراعية» ونقصد هنا تركيا؟.
تركيا التي تروم تطبيع علاقاتها مع دمشق, في الوقت ذاته الذي ترفض فيه تحديد جدول زمني لانسحابها من المناطق السورية التي تحتلها, بذريعة محاربة الإرهاب (الذي باتت تحصره فقط في إرهاب تنظيم «داعش» مُستثنية هيئة تحرير الشام وزعيمها/الجولاني).. دع سلسلة الإجتماعات التي شارك فيها وزراء خارجية ودفاع أربع دول هي: روسيا، إيران، سوريا وتركيا, دون أن تسفر عن نتيجة «عملانية» تُذكر, مع إستمرار ضغوط تركيا لتنظيم «قمة رباعية», يريد الرئيس التركي استثمارها في معركته الانتخابية الحاسمة يوم 14 الجاري, والتي ستُقرر مُستقبله الس?اسي والشخصي, وسط استطلاعات تؤشر إلى احتمالات خسارته.
تهديدات «الجولاني» يجب وبالضرورة أن تُؤخذ على محمل الجد، لأنها - في ما يبدو - باتت الورقة الأخيرة في أيدي مَن يحاولون نسف محاولات تنقية الأجواء العربية. إذ قال الجولاني: الإعتماد على الخيار «العسكري» هو الوحيد وهو - أضاف - خيار الثورة حتى نُحقّق النصر الكبير من دمشق، مُعتبراً أن «الثورة تمتلك أوراقاً قويّة الآن، لكن - إستطردَ - تُقابلها تحديات كبيرة مُغُايرة عمّا كان في السابق, أوصلتها إلى مرحلة حرِجة، مُواصلاً الزعم «لدينا مجموعة (أزرار).. مِن قلب الطاولة إلى الانفجار الكبير..للتسخين»..ولم ينسَ بالطبع توج?ه نقد لاذع للمُعارضة السورية في تركيا (في إشارة إلى الائتلاف المعارض), واصِفاً اياها بأنها «جاهِلة وأُميَّة» في الملف السوري».
kharroub@jpf.com.jo