ليس ثمَّة كوابح أو محاذير تلتزمها الإدارات الأميركية المُتعاقبة وخصوصاً إدارة بايدن, اللجوء إلى فرض عقوبات أو العمل على عزل ونبذ وتشويه سمعة أي دولة أو رئيسها في العالم, حلفاء كانوا أم شركاء أم خصوماً ومُنافسين, ما بالك أعداء أو خارجين على إرادتها ويُناؤون سياساتها.
الأمثلة عديدة ومتنوعة تجمع بين «كل'هؤلاء، أما آخر مَن هُم قيد الإستهداف والتصويب فهي هنغاريا (اسمها الرسمي المجر) ورئيس وزرائها فكتور أوربان, الذي يرأس حزباً مُحافِظاً اسمه «فيدس»، وصاحب أطول مدة كرئيس حكومة مجرية في تاريخها الحديث (قبل الحِقبة الشيوعية وبعدها). إذ يشغل منصبه الحالي منذ العام «2010'حتى الآن, وكان شغله بين العامين 1998-2002. اللافت في التصويب الأميركي والتلويح بالعقوبات على دولة عضو في حلف شمال الأطلسي/الناتو منذ العام 1999والاتحاد الأوروبي (2004)، ما يعني أنها دولة «غربية» كاملة الهوية أطل?ية/وأوروبية. لكن هذا لا يمنحها رضا سيد البيت الأبيض, فقط لأنها تتخذ موقفاً مُغايراً لـ'الأوامر» الأميركية وتُقدّم مصالحها الوطنية (والأوروبية)على نهج الهيمنة, الذي لم تتخل عنها ذات يوم الولايات المتحدة وخصوصاً منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية, بل منذ أوصلت سياسات واشنطن «الأُوكرانية» الأمور مع روسيا إلى نقطة اللاعودة, عندما «سلّحت» نظام زيلينسكي وفرضت جدول أعمالها عليه, رغبة منها بإحكام الحصار على روسيا, وخاصة إفشالها بالتواطؤ مع ألمانيا وفرنسا اتفاقيتي مينسك, ودائماً في نسف المفاوضات الروسية – الأوكرانية التي?بدأت مباشرة بعد بدء العملية العسكرية الروسية الخاصة، لكنها حالت دون استمرارها ما أسهم في إطالة الحرب وزاد من احتمال انزلاقها إلى ما هو اخطر بكثير جداً, مما كانت عليه عندما بدأت جولة المفاوضات الأولى في بيلاروس ولاحقاً في تركيا.
عودة إلى هنغاريا..
تسريبات صحفية تولّتها صحيفة هنغارية إلكترونية تحمل اسم «444', جاء فيها أن الإدارة الأميركية «تدرس» احتمال فرض عقوبات على هنغاريا, بسبب «رفضها» اتباع السياسة المُشترَكة للدول الغربية بما في ذلك ما يخص النزاع في أوكرانيا.
صحيفة «444» كما وُصِفتْ هي مُؤيدة للمعارضة الهنغارية وليس لحكومة أوربان, وهي استقت معلوماتها (لم يتم نفيها أميركياً كذلك هنغاريّاً) من مصادر دبلوماسية مستقلة, لفتت إلى أن العقوبات المُتوقعة ستشمل «مسؤولين'هنغاريين, على النحو الذي كانت فرضته واشنطن على دخول مواطنين هنغاريين للأراضي الأميركية عام 2014, يُشتبه بأنهم متورطون في الفساد.. أمَّا كبير المُحللين في «معهد القرن21» الهنغاري واسمه دانيال ديك، فقد كتب: «يُقال إن إدارة بايدن تُخطط لفرض عقوبات على هنغاريا، بسبب – أضاف – تأييدها للسلام ومُعارضتها للحرب، م? بين أمور أخرى – استطرَد – يريدون ان نتخلى عن جميع علاقاتنا مع روسيا والانضمام إلى تلك الدول التي تدعم الحرب».. تلخيص مُكثف يُضيء على «المسطرة» التي بموجبها تًتّخذ قرارات ومواقف إدارة بايدن, مسطرة «ورثتها» عن بوش الابن, الذي كرَّس مقولة «مَن ليس معنا فهو ضدنا»، ونحن نُضيف هنا.. حتى لو كان حليفاً مثل هنغاريا وربما لاحقاً فرنسا/ماكرون الذي «تجرّأ'ودعا أوروبا إلى «عدم إتّباع واشنطن في كل شيء».
ماذا عن فكتور أوربان الهنغاري؟
اعتبرت واشنطن تصنيف رئيس الوزراء الهنغاري/ أوربان بأن الولايات المتحدة بين المعارضين الرئيسيين لحزب «فيدس» الحاكم في بلاده.. «تصعيداً» للخطاب المُعادي لواشنطن, واصِفاً/اوربان'الولايات المتحدة كواحدة من أكبر ثلاثة مُعارضين لحزبه/فيدس', على ما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال عن وثائق تم تسريبها سابقاً من وكالة المخابرات المركزية الأميركية.
لكن لـ'أوربان» مَواقف علنِية اكثر وضوحاً ومُباشرَة, إذ كان دعا في مقابلة مع صحيفة سويسرية في الأول من آذار الماضي (أي قبل شهر من دعوة الرئيس الفرنسي/ماكرون الشهيرة بعد إنتهاء زيارته الأخيرة للصين), إلى أنه «يتعيّن على دول الاتحاد الأوروبي بذل جهود إضافية, لتعزيز أمنها والقدرة على الدفاع عن نفسها دون الاعتماد على المساعدة الأميركية)، بل ذهب أوربان بعيداً في «التذكير» بما كان اقترحَه ذات مرة في العام 2012 (أي قبل عشر سنوات من إندلاع الأزمة الأوكرانية) إلى قيام حلف شمال أطلسي «أوروبي', مُضيفاً في المقابلة مع ?لصحيفة السويسرية.. «إن نهج الدول الغربية تجاه الصراع في أوكرانيا تُحدّده الولايات المتحدة، بينما – أضافَ – تفقِد أوروبا هويتها من الناحية العاطفية والفكرية».. كاشفاً «أن هنغاريا تتعرّض لضغوط مُستمرة تُحاول إجبارها, على تغيير موقفها من أوكرانيا وتزويد دولة مجاورة بالسلاح. لافتاً «إنهم يُريدون جرّنا إلى حرب, ولا يختارون الوسائل حتى الآن تُمكِنّا من المقاومة».
** إستدراك:
يُعتبر رئيس الوزراء الهنغاري من المُؤيدين «القُدامى» للرئيس الأميركي السابق/ترامب, وقد تحدّث علناً لدعم الجمهوريين خلال الانتخابات الأميركية. الأمر الذي أدّى إلى «تعقيد خطير» في علاقة أوربان بالرئيس الحالي/بايدن.
kharroub@jpf.com.jo