تختلف ظروف التنشئة لكل منا لاعتبارات عديدة لا يمكن حصرها، والتي تساعد على تنيمة الطموح وترجمة القدرات، ومهما كانت صعوبتها وتشعباتها، بهدف الوصول للاستحقاقات التي توفر الحياة الكريمة، فالظروف الصعبة لا يجب، بل لن تشكل حاجزا أمام البعض المطحون منا (وكاتب هذه السطور واحد من هؤلاء الضحايا) لتعدي حواجزها، لأن بواحد من أبجدياتها أن المحاولة والبذل والاستمرار، طريق لفتح معابرها والكشف عن مكنوناتها تحت عنوان أبكم بالاستسلام، فهو مرفوض بل يشكل دافعا لصهره، حيث هناك ظاهرة استنتاجية يمكننا الوصول اليها من واقع تجارب ?لحياة وتتمثل بحقيقة دامغة بأن هناك تفاوتا بالطموح بين الأفراد لأن رؤيته للحياة والمستقبل من نوافذ متفاوتة، فمنهم من يبحث عن سترة تسليك لعشقه البقاء في الظل بطموح لا يتعدى أبجديات الحياة؛ الأمل والشرب والواجبات المنزلية، وهناك من يبحث عن التنقل على سلم الترقيات حسب انجازاته وقدراته ومؤهلاته التي تختلف مفاهيمها وبنودها، وربما المسار الصحيح يجب أن يكون مجرداً من ظروب الحظ والصدفة، إلا أنه قدر للبعض للقفز الى مراكز متقدمة ويترجم ذلك بظلم لمثلث أركان المعادلة؛ ظلم كبير للمركز الذي تربع على قراراته، ظلم شاسع للم?تادين وأصحاب المصالح والمراجعين، وظلم لمن قفز بمنطاد الحظ وإذا به يتربع على كرسي المسؤولية بتواضع وخوف، ليبدأ أولى مسيرته بالبحث عن طبقة المنافقين الذين يشكلون ستارا يحيط بهذا المسؤول؛ حماية له وسترة على أفعاله، مقابل تنفيعات وبناء مصالح على حساب المؤهلين، وفي الغالب هم الفئة صاحبة الحظ الأفر بالتواجد والحضور، تنقل انتماءاتها لأنها تملك القدرة على تحريك الكرسي وشاغله.
تقدم البعض للمراكز القيادية في المؤسسات بطريقة القفز أو حُكم الظروف الغابرة فيها ظلم كبير، للمؤسسة وخدماتها وأفرادها ومكانتها، الأمر الذي سيساعد على الهدم والتأخر، خصوصا إذا كان من فئة ذات شخصية لا تصلح للمركز الأول بأي صورة أو دعم، فهي خُلقت للظل وقمة طموحاتها المركز الثاني الأعرج ذات الرؤية المتواضعة، لأن هذا المسؤول بقرارة نفسه قد وصل سقفه وغير قادر على تحمل المسؤولية، وقد شاهدنا العشرات من الأمثلة التي سقطت وأسقطت مؤسساتها بأفعالها، لأنها فُرضت بمركز الصف الأول دون طموح، فقناعتها أنها تصلح للرجل الثان? بأقصى ما تملك ففي ذلك حماية باتخاذ القرارات التي تهبط بمظلة القيادة للتنفيذ؛ يدافع عنها ويتبناها وهو يعلم بيقينه أنها خلاصة فكر الغير ولم يساهم بأي فقراتها، لكنه بحكم موقعه "الرجل الثاني" فواجبه بالدفاع عنها، وهو بذات الوقت يمتلك قائمة من التبريرات لأي تساؤل أو إخفاق؛ هؤلاء النماذج من المسؤوليين يؤمنون بقناعة نجاحهم بتجميد سيف المسؤولية بناء على رغبات صاحب القرار وبعيدا عن الاجتهادات التي قد تفتح الأبواب المغلقة؛ فئة تتبنى قدسية الروتين البعيد عن فحوى الابتكار والتقدم والمنافسة، يعبدون المركز لأسباب لن نخ?لف بتحليلها، على أن لا ننسى البعض الذي وصل لفرصة ونكاية، ويعتقد بداخله أحقيته بالمركز لضبابية بالرؤية والتفكير.
تعظيم منتسبي فئة المركز الثاني لإحتلال المركز الأول ومهما كانت مبرراتها وظروفها سيلحق الأذى والضرر والظلم بالمركز والمؤسسة، سيقود عملية التقزيم والتواضع للتقدم والتمسمر، من خلال اهتمامه بسطحيات وهوامش لا قيمة لها، مثل جمع أعقاب السجائر، أو تفقد حنفيات المياة والتشديد على الظهور الاعلامي اليومي عبر وسائل التواصل الاجتماعي والوسائل الاعلامية الأخرى ضمن فئة متسلقة لتبادل المصالح، وهو البطل بتطبيق القوانين والأنظمة على موظف تأخر عن عمله لظرف صحي، لكنه يمارس دور الأرنب الأصيل لإتصال هاتفي من متنفذ أو صاحب سطوة ?نفوذ أو فضل عليه، والعذر له، شخصية ضعيفة هبطت على مدرج المركز الأول بطائرة الظروف أو الواسطة أو النكاية، دون امتلاك لمهارات قيادية وانجازات تشفع لها وتتسلح فيها، بل هي معول لبناء نفق انعدام الثقة وجسر لتعظيم الأزمات الذي يزداد طولاً، وسوف نحتاج لدهر بعد مغادرته لتحرير هذا المنصب وللحديث بقية.